Rechercher

samedi 16 septembre 2023

زلزال الأرض أم زلزال الكرامة الجريحة ؟

إن المـآسي فـي حـياة الـناس تصنـع الـرجـال الأبـطـال و الـفـواجع الـكـبـرى تـُـفـجـر عـبـقـرية الأمـم.

في تلك الرواية المدهـشة " زوربا الإغريقي " و في لحظة حـبـلـى بـغــد آخـر، تـسـقـط الركائز، تـنهار الأحلام. إيــذانـا بـإفـلاس كـبــير. لـكـن البطـل يـصرخ مـقـهـقـها أمام رب العـمل :" يا للـخـراب الـجـمـيل".

نعم، ذاك الخراب جميل. لأنه يـعـني استئناف البناء بهمة جديدة و دروس مستخلصة.

هـل مـن حـضن جـديـد يـُـدفــئ صـُـدورنا بـعـد هـذا الـدمـار المهول

في وضعـنا المغـربي، وا أسـفاه ! وا حسرتاه ! هذا الخراب، ما كان و لن يكون جميلا. لأن التـكـلفـة باهـضة. فالأمر لا يتعلق بإفـلاس مشروع ما. و لكن الأمر يتعلق بآلاف الأرواح بين راحلة، و أخرى معـطوبة، و أخـرى دامـية تحـت الخرائب !

 نعم، هذا الخراب ما كان و لن يكون جميلا. الزلزال ليس شيئا آخر إلا القــُـبح. بيوت كأني بها أكواخ من هشيم. صخور وسط  الطرقات كأنما تسد أبواب النجدة و الأمل. حجارة متراكمة و مدببة كأني بها أنياب أفـاع مسددة لأعـيـن المنكوبـيـن. رجال و نساء يـبحثون عن زاوية ما، ليضعـوا فيها ما هربوه من أغراض متلاشية. الدور الباقـية، باقـية. لكنها مشقـوقة. فكيف العودة إليها و هي لم تعد عـُـش أمان؟


في الفـيس بـوك. ذاك الولد المشرق  بـهـجة و تـألـقـا، حمزة محفوظ، يُـذكرنا مستعـيدا مقطعا من تلك الأنشودة البهية لناس الغـيوان، و التى انطبعـت في قـلوبنا بأحرف من نور. و ها هي اليوم تبـعـث بأحرف من كبريت أزرق :

ما هموني غير ارجال اللي ضاعو

لحيوط إلى رابو كلها يبني دار

ما هموني غير الصبيان بردو و جاعو

و الغرس إلى اسقط نوضو انغرسو أشجار

ما هموني غير ارجال اللي ضاعو

ما هموني غير ارجال اللي ضاعو


 نـعـم، لا و ألف لا للنحيب. لا لطم الخدود. لا لجلد الذات، بدعوى غضب الله ولا أعرف من تـُـرهات. لا و لا للاستعمال الإيديولوجي المغرض. لا مجال لأي من هذا، فالمجال كل المجال لغـرس الأشجار. أي نجدة المحبوسين بين الركام، و جبر الضرر و جبر الخواطر، و تطبيب الجرحى، و إيواء المشردين طعاما و لباسا و سـقـفا. و هـذا يتـطـلب تـجـنـيـدا يـقـفـز فـوق كـل الـعـقـبات، و الإرتـقـاء فـوق تـصفـية الحـسـابات.

كيف لا، و هاهـم آلاف الموتى يطرقون أبوابنا. فكيف ننام ؟ ها هم يسـتـنطقـوننا : بالله كيف يتم دفننا بلا غسل و لا كفن و لا فـقـيه يـتـلو علـينا ما جاء في الصلاة الأخيرة، لآخـر عـشاء ؟ ها هم عـشرات الآلاف من المنكوبين، لا يعرفون في أي واد يهـيـمون، و أي يـد يصافحون، و أي ملجإ يستر أسمال ما تـبـقـى لهـم مما هم به يـتـدتـرون ؟ ها هم آلاف الأطفال يسـتـنطـقـونـنا : " أيــن أمهاتـنا ؟ أين أشـقـاءنـا ؟ أيـن آبـاءنـا ؟. و هـل مـن حـضن جـديـد يـُـدفــئ صـُـدورنا بـعـد هـذا الـدمـار المهول

 حديث الأستاذ كريم التازي

يقول الأستاذ كريم  في تـلكـل: " أمام نكبة طبـيـعـية ما، يجب الأخذ بعـيـن الاعـتبار، أن ظرفية الدعم المُـبرمج، تـتـطلـب وقـتا  لـيس هو نفسه الوقت الذي تـقـتـضيه ظرفـية الـدعـم العـفوي". لكن، ألا تـتـفـق معي حضرة الأستاذ، أنه في النكبات الكبرى، فإن  الفارق الزماني يُـمحى بين المُـبـرمج و الـتـلـقـائي ؟ حتى لا تـتـبقى إلا إرادة النجدة عبر كل الأبـواب. أو ليس الرهان كل الرهان، إنـقـاذ أرواح تـئـن تـحـت الأنـقـاض؟

يشير الأستاذ كريم أن هناك قـُـرى في أعالي الجبال، و هناك طرق مسدودة، و أخرى لا وجـود لها !  لكن، بالله كيف لا نـصـرخ : " أين الطائرات الحوامات ؟ هل هي مجرد ديكور؟ أم أنها خـصيصا في خـدمة الـتحـركات الـمكـوكـيـة لـقـمع انـتــفــاضـات الــيــأس و الــجــوع؟".

كيف لا نشعر بالغضب؟ لكن، لا للغـضب الغرائزي الذي يـطـفـئ فـوانـيس الحـصافـة. و إذا، فنعم للغـضـب العـادل. الغضب الذي يجهر في آذاننا بحـقـنا في الكرامة. أو لسنا نـعـيش اتراجـيـديـا بامـتـيـاز ؟ فكيف تـتجـدد المـآسي فـوق رؤوسنا و نحن مـتـفـرجون ؟ كيف نلعـب نفـس الـدور. دور السمـكة الـحـمـقاء، تـتـلـقـفـها دوما و أبدا نـفـس الصنارة ؟ هل نحن فـئـرانا أغـبـيـاء حـتى نسـقـط دوما و أبدا فـي نـفـس المصيدة ؟ هل كنا عـصافــيـر بـلـيـدة يـلـوي عــنــقـهـا دومـا و أبــدا نــفــس الـفـخ؟.

إن الشعـوب التي لا تـتعـلم من تجاربها، هي شعـوب تعـيش أبد الدهـر في انتـظار من يأتي من خلف البحار. لا ليستولي  على مستقـبلها و خـيـراتـها و كـفـى بل، لـيُـجـند أولادهـا عــبـيـدا في خدمته و بنـاتـها جــواري تـُـباع فـي أسـواق النـخاسـة، لإبـهـار مـجـالس الـقصـف و الـطـرب.

لا أعرف إذا كانت هناك أمم خاملة، و لكني أعرف أن شر الأمم لهي تلك التي يصفعها القدر حتى تـتـزلـزل الأرض تحت أقدامها، و تظل مع ذلك هاجعة لا تلبت أن تعـود لتغـط في نومها و أحلامها المطرزة بخزعـبلات الأسلاف الغابرة. أروع الأمم، تلك التي يصفعها هول ما، فـتهـب عن بكرة أبـيـها، لـتـنـتـشـل من ذاتها ما تـُعـيد به بناء ذاتها، حتى تكون أنـفـذ بـصـيـرة و أقوى صلابة في وجه ما يسمي بالقدر البـغـيض، أو الحض العاثـر.

و لكن ماذا عن مغـربنا ؟ من  ينكر أننا أمة الـكـرامة. و يـشهد الله، أن هذه الكرامة، هي الحبل القوي اللامرئي الذي يشدني للوطن. ما أكثر ما لمست هذه العـزة في أياد صافحتها. و ما أكثر ما الـتـقـيـتـها في عـيون، مهما كان خصاصها، فالخـفـر ترفـُّــعا يبقى دوما و أبدا ديـنـهـا و مـلاذهـا.

من  ينكر أننا أمة الـكـرامة

 رأيت الشهامة تصدح مواويلا

من أعماق هذا الجرح النازف، تأملوا معي هـذا الـفـيـديـو، حيث هؤلاء الرجال، بجلابـيـب بيضاء  صقيلة كأنما تحـديـا لـلـيـل الـحـداد. هل كانوا يغـنون ؟ أم كانوا يـبكون ؟ لكن ياللغـباء ! هل في الفواجع العـظـمى من حدود بين الـغـنـاء شجوا و البكاء دمعا ؟ لـذا  فمواويل هؤلاء الرجال كانت تمس كل الأوتار فـيـنا. كانوا يصدحون بلغة أمازيـغـية حـيـنا، عـربـيـة حينا آخر. كأنما ليقولون : في المحن الكبرى فإن الـنـُّـبل مـنـتفـضا، لا يعبر عنه إلا بلغات تعانـقـت لتصبح تـنهـيـدة جرح واحد. فالألم يصهر القلوب و الشجى يوحد الحروف والأنفاس.

أتحدى مغـربـيـا أصيـلا يـستمع لهـذه المواويل و لا يـكـفـكـف دمعة تـنحدر متدحرجة من أعماق الروح. 

نــعــم، الأوطان العظيمة تولد من رحم المصائب الكبرى، هل المغرب بعد الاستعمار هو نفسه قبل تلك العاصفة المدمرة ؟

 ها هو مغربنا يـئـن اليوم لا جرحا راعـفا، و لكنه يئن وجعا و مخاضا. إنه يريد أن تكون هذه الفاجعة سبيلا للتحكم في زمام القرار. سبيلا لنفض القدرية الخنوع و الانطلاق في مسلسل بناء وطن جديد، خارج الفساد والإفساد. خارج الاحتكار و الإفـقـار. وطن بلا أكواخ مهترئة. و لا شبه دور آيلة للسقوط. وطن المدن المتمدنة بلا رُكام قصدير خانـق. وطـنا يريد استثمارا يتجاوز هذه الواجهات البراقة بهجة للعيون وشتما للذكاء. وطنا يطمح للاستثمار في الإنسان. تعليما و تطـبـيـبا و شغـلا و سكنا و عدالة. وطـنا يريد مؤسسات الحق. كل الحق في التـنمـية و الحق كل الحق في الـخـبـر. و الحـق كل الحق في التعـبيـر، إشادة بالإرادات النزيهة و تـنديدا بالمسخ و أوساخ الدمامة.

فماذا إذا، لو تجندتم يا أهل الحل و العـقـد للبناء مع هذا الإنسان ؟ أو ليس هنا يكمن الربح الحلال و المجد رقـيا ورفـعـة ؟ " ومن لك بالحر يحـفـظ الـيـدا " ؟.

 مـسـك أم مرارة الـخـتـام

خلال تـغـطـية تـلـفـزيـونـية بـمراكـش، رأيت فـتـاة لا أعـتـقـد أنها تجاوزت السابعة عـشرة. خرجت لتوها من مركز تحاقـن الدم، لتجد نفسها  وجها لوجه أمام مايكروفون القـناة الأمريكية السي آن آن.  إنها تـقـول و بإنـجلـيـزية مـشرقـة و ابـتسامة أكـثـر إشـراقـا : " ليس لدي ما أعـطـيه غـيـر الـدم و ها أنا أعـطـيته ". لو كنت حاضرا ساعـتها، لـكـنت أشـد علـى يـدها بـحـرارة لأقـول : " كلا إبـنـتـي، و أنت أُمَّ الحُـسْـن، لقد أعـطـيـت بجـانب دمـك ما هـو الأغــنـى و الأشــرف. لــقــد أعــطـيـت ابـتـسامـتـك الــبـريـئـة الـتـي تــُـضيء وطـــنا و تـُــلهــم أمــــة ".