رأينا إمرأة مشرقة كالفجر تأخذ الكلمة، أو بالأحرى تنتزع الكلمة، وذلك بأنفة المرأة، وعزة المرأة الحبلى بغـد أقـسَم أن يُـخـلـف موعده مع كل العهود الخامدة. فلا غرو أن تكسبنا لصفها، وأن نسلمها آذانا صاغية، حتى لكأن الطير فوق رؤوسنا، ولم لا، وهي نفسها الطير، يأتينا من سبأ بـنـبإ الربـيـع يـطـرق أبوابـنـا
لكن وا حر قلباه، هذه السيدة وعلى غير توقع منا، كانت تسدد لوجوهنا الساهمة صفعة أيـقـضتـنا، حتى تُعـيـدنا لـقـفــارنا الـقـاحلة. هذه السيدة الكريمة، بدون سابق إنذار، خلعت قـناعها رغم هول الوباء، وجاءتنا وقد وضعت من مـُـر الحديث على شفتيها ما لا طاقة لها به، ومن الكلام اللا مباح في فمها، ما يُـقوض كل النزاهات النسائيات
ما أهول جرأة الوقاحة على لسان إمرأة ! وهل هناك أقبح وقاحة من شتم الأستاذ الكبير عبد الرحمان بن عمر والأستاذ سيون أسيدون. نعم و لم لا؟ أو لم يخترقا كل الأدغال، في الساحة العامة، ليعبرا عن رأيهما في وضح النهار قـولا مجلجلا : لا لـلـتـطـبـيـع
سيون أسيدون أو الشوكة الحادة في حلق الصهيونية |
أعترف لكم أني لا أحب بوليس بلادنا، لكني في هذا الفيديو، اختلجَت في مشاعري عاطفة امتـنان للبوليس. لماذا ؟ لأني رأيت رجال البوليس يتعاملون برفق مع الرجلين المناضلين. بل ورأيت ظابطا يربت على كتف الأستاذ عبد الرحمان بتعاطف، كأنما ليـؤكد اعتزازه وتـقـديـره
لكن بالله. دلوني على رجل مغربي عزيز و شهم، لا ينحني احتراما أمام هذا الطود الشامخ ؟ دلوني على إمرأة مغربية حرة لا تحلم أن يكون لها رجل من هذه الطينة، أخا أو عاشقا أو أبا أو إبنا. من منا لا يستحيي، لا ينحني و قد وقف أمام هذه القامة التي جعلت من النزاهة دينا، ومن العـدالة فـضـيـلة ؟
دلوني على مغربي حُـر، دلونى على مغربية حُـرة، لا يحلم ولا تحلم أن تصافح سيون أسيدون، هذا الشقيق اليهودي المنبثق من جرح الذاكرة المغربية التي أجهزت عليها الإيديـولـوجية الـصهـيـونـيـة البغـيضة ، لـتـفـرقها شـتـاتـا وأشـتـاتـا
هل تعلم هذه السيدة الكريمة، وهي المشتعلة ذكاء، أنها بتحليلاتها اللا نيرة هذه، تقوم بعملية انتحار على معبد التهور الصبيانى الديماغوجي، وما لا أعرف من رداءات؟ فكيف سيدتي، وأنت في الطريق لتصبحين العَــلم والـمَـعْلمة، كيف اخترت أن لا تكوني إلا طوبة مفتتة ترجم كعب الحق ؟ بالله أستاذتي، من ينصت لخطابك هذا منذ اليوم ؟ متى كان الخطاب المُـلوث مسموعا ولا مُهابا ؟
ويحكم إنها أصابع الديناميت
لكم بودي أن نسأل: لماذا كل هذه الحراب المنضدة، وهذه المناجل الحافية، ركوبا على كل هذه البغال الجامحة، ضد هذين الرجلين ؟ الأستاذ عبد
الرحمان لم يعد شابا في عنفوان شبابه، بل هو شيخ جليل. الأستاذ أسيدون لا سند له، لا لوبي ولا حزب خلفه. فكيف تخاض كل هذه
الحرب ضد رجلان كلاهما أعزل؟ هنا خطورة الإشكالية التي استوعبتها جيدا هياكلنا العـتيـقـة:
في ضعف الرجلين قوتهما، في إقصائـهـما جـبـروتهـما. فكيف ذلك ؟ من ينكر أن عبد
الرحمان و من ينكر أن أسيدون، كلاهما، رمز وطني شريف ؟ هنا، خطورتهما
الكل يعلم يقينا أن الرموز في حياة الأمم فوانيس تضيء العتمة، فهي تتغذى من زيت النزاهة وحس التعفف والتضحية. أي، تلك الركائز التي تستوي عليها الحضارة بتوازن نفساني، أخلاقي، ثقافى... ومع هذا، ثـقـة تاريخـيـة مـستـقـبلية كأفـق تحرري
أي يتامى كنا نكون ؟ لو دفـنـنا دوسا وقـتلا، الرمز المهدى بنبركة والرمز علال الفاسى والرمز محمد الخامس والرمز محمد بن عبد الكريم الخطابي؟ ماذا سيـتبقى لنا ساعتها من معالم، من خرائط، من دروس نلقنها لأطفالنا في هذا الليل البهيم. ماذا يتبقى في سمائنا وقد اكفهرت، وكيف لا، ونجومنا انطفأت ؟
يقول نابليون:"بوسعنا أن نفعل بالرماح ما نشاء، إلا الجلوس عليها"! كذلك الرموز، قد نفعل بها ما نشاء، لكن حذاري أن نلعب أو نتلاعب بها، إنها ساعتها تتحول أصابع ديناميت تنفجر، لتعصف بأصابعنا، ورصيدنا، ودم وجهنا
كيف لا، والرمز محمل بمعان وإيحاءات ومرجعيات تتظافر مع مقومات هوية ومطامح مسـتـقـبلـية، أي، كل هذا الذي يـقـذف بنا بين أحضان هذا الكامن وذاك المُجهَـض. ثم، مباشرة نحو ذاك المُـنـتـفـض فُـرصا أخرى. كلها دعوات للتنقيب وسبر أغوار أرواحنا و عوالمنا الموصدة
الرمز، هو الصورة التي لا لـُـبس فيها. الصورة الناطقة التي تُحـيـلـنا من اللامرئي للمرئي، من السطحي الظاهر للباطن المتموج فـيـنـا. إنه الستار يُـرفع حتى نشاهد المسرحية، بكل أطوارها وألاعـيـب شـخوصها و ديـكورها و أنوارها الـمـفـبركة و خطابها و مراياها التي تـُرينا وجوهنا بلا مساحيق ولا قناع
الرمز يتحول طاقة خلق، طاقة إبداع متى ما تماهى مع المرموز. ساعتها، كما يقول بورديو الحدود تنهار بين العـقـلانـى والـمـثـالـي، بـيـن الـروحانـي والمادي. ساعتها، يسطع نور الحقيقة بأضوائها الكاشفة
أو ليست الحقيقة غالبا ما تــــنتـفـض مع خـفـقـة جـناح الـرمـز؟ ماذا لو كان هذا اللا محتمل، والذي شغل ويشغل المفكر الكبير إدغار موران. ماذا، لو كان هذا الذي لا أعرف كيف أترجمه، فأقول اللا مرتقب أو اللا متوقع والذي يقتحم فجأة، حيوات الأمم كالرعد في سماء صافية. ماذا لو كان هذا الضيف اللا مستضاف، لا يـحِـل إلا مدفوعا بطاقـات رموز ظلت كامنة حتى تظافرت لتخلق هذه الطفـرة، الـتي تجعـل الأوطان تخـرج مـن عـنـق الـزجـاجة، فـاشـية أو ستـالـيـنية أو عسكرية تهريجية ؟
معتزمطر أو الصوت الإعلامي المشرق |
أهو سَمن أم سُم أم فحم؟
سيدتي الأستاذة، وأنت ترين هذا الرجل الرائع الخُـطى. هل تأملت ولا لحظة خطواته التي صنعت مسيرته؟ أم، أنت تـنـتمـيـن لهذا الجيل الذي وضع له الاستقلال المظفر، لا أعرف سمنا، أم سُـما، أم فحما عوض المخ ؟ و إلا فكيف، و أنت ترين هذا الرجل يسير بخطو وئيد، وعكازة يعتمد عليها، ونظرة عالية، كأنما ليؤكد ترفعه عن الصغائر. كيف، سيدتى وأنت ترين هذا. كيف، وأنت العاطفة المشتعلة رهافة. كيف، لم تشعرين ببعض حياء وبعض إعتراف بالجميل؟
ذكريني رجاء بالقائل: إذا لم تستحيي فقل ما شئت. وليس أقبح من رجل لا يستحيي فيقول أو يفعل ما يشاء، بلا وازع و لا رادع، و لكن ماذا عن إمرأة ؟ لك حضرة الأستاذة كامل الجواب
بين الصدفة والمؤامرة
عبد الرحمان بنعمر، سيون أسيدون، في مسيرتهما تلك، في حضورهما المدوي، في تلك المظاهرة هناك. هل كان لقاؤهما ساعتها، مجرد صدفة ؟ الشاعر بريفير يقول "الصدفة لا تطرق بابك صدفة". متى كان العابر إلا تقاطع الدخان المتلاشي مع السراب المتماهي ؟ لكن عكس هذا، متى كان لقاء الرموز إلا الحاضر في تأوهـاتـه، في مـخاضه، فـي تـفـاعله إخـصابا وإنـجـابـا ؟
الأمر إذا، ليس صدفة و لكنه "المؤامرة" ! أي و الله، إنه اللقاء المؤامرة ! نسجتها أياد خفية قد نسميها التاريخ، أو السوسيولوجيا، أو الوطنية. إنها المؤامرة ضد الخطاب الآفل المتـرنح المتهافـت. إنها المؤامرة قـنبلة في صرح الأوهام الخاوية والمطامح الضيـقـة
ماذا يـتبـقى من إنسانية الإنسان في غياب إخلاصه ؟ في غياب الوفاء لهويته و عقيدته ؟ فبالله سـيـدتي، من الوفـي بامتياز ؟ أهذا الجبل، لا يـهـتـز مهما صفرت الرياح وزمجرت ؟ أم ترى، هذا الـقـَصَب الأصولي الأجوف، والذي حيتما مالت الريـح يـمـيـل ؟
عبد الباري عطوان صوت القضية الفلسطينية |
حضرة الأستاذة، إنك تحسنين الحديث بطلاقة. لكن ما أبهاك حقا، بل وأقول ما أروعك، لو كنت أحيانا تُحـسـنـيـن الـصمت بـنـفـس الـطلاقـة
و في انتظار أن تـشتـمـيـنـني أنا الآخـر، لـك مني كـل الـتقـدير والاحترام
اللا مـخـلـص أحمد بن بنور