الصحافة العربية تتحدث باستفاضة عن السيدة سهى منذ سحبت منها جنسيتها
التونسية لأسباب يعلمها الله، ونحن بالطبع لاتهمنا هذه التعليقات التي
تهتم بالمثير الساخن ، الذي يهمنا هو هذا السؤال الموجع: هذه السيدة فلسطينية حتى
النخاع، عاشرت زوجها وهموم زوجها حتى آخر رمق، وإذا فقد تجرعت تجرعه حتي الثمالة ، فلماذا وقد رحل
لم تستثمر كل ذلك الرصيد النضالي لذلك القائد الذي أكد دائما أنه سيعيش
عازبا فقد تزوج القضية الفلسطينية. وعندما تزوج سهى لم نعتبر البتة أنه أخلف
العهد، بل اعتبرناه تزوج بعقد شرعي، فلسطين أصبحت سهى،
وسهى أصبحت فلسطين.
فكيف تنصلت سهى من عري ذلك الزواج المقدس؟ كيف داست وصية القائد فلم تواصل معركته
المقدسة. في الأراضي المحتلة، في واشنطن، في باريس، في لندن، في إسرائيل ذاتها. من
يقفل الباب في وجه امرأة تحمل غصن زيتون؟ من يقفل الباب في وجه امرأة تحمل ذلك
الرصيد العظيم ومعه أحلام أمة؟ من يقفل الباب في وجه امرأة تزغرد أنشودة سلام ؟
كيف تركت سهى دورا تاريخيا بهذه الخطورة لتنتحل دورا أرستقراطيا ساذجا
؟ هل يجهل الإخوان الفلسطينيون خطورة التواصل في عصرنا هذا؟ وهل التواصل شيئا آخر
غير رموز وصورة وعلامات واستراتيجية
اختراق وكسب أصوات أي كل هذا الذي تجسده
امرأة أصبحت هي القضية. امرأة تواصل بوفاء الزوجة المناضلة ووفاء الأم
رسالة الزوج الحبيب الذي أصبح وطنا، تواصل الدفاع عن وصية أصبحت سفرا للكون .
دلوني على رأي عام تقف أمامه امرأة بهذا الخطاب بهذه الانتفاضة بهذه المسار الموجع ولا تترك في أعماقه تموجات عاصفة ؟.
هل تجهل سهى هذا؟ وهل يجهل
الإخوان الفلسطينيون هذه الحقائق التواصلية التي أصبحت اليوم متحكمة في تطور الرأي
العام ؟. إذا كانوا يجهلون هذا فالمسألة مخيفة تعني أنهم يجهلون لغة العالم الجديد
. وإذا لم يكونوا قد تعلموا هذا في مدرسة النضال فماذا تعلموه إذا ؟ إن النضال في
غياب استيعاب قيم الحداثة محكوم بالإفلاس فسادا وتخبطا وإيذان بالسقوط في أحضان
القوى المتحالفة مع أشباح الماضي.
ما أكثر الجبهات كانت تتركها سهى بازدراء ليس عالميا وكفى، ولكن محليا
أيضا، أو ليست سيدة فلسطين الأولى؟ أو ليست الإمتداد الحي للرسالة وإذا النموذج المحتذى؟ أو ليست من يملك الشرعية
المطلقة لتأخذ بيد المرأة تخرجها من ليل عباءتها الظلامية تجندها تعليما وعملا
وتثقيفا بلغة العصر؟ أو ليست من يأخذ بيد الطفولة تمسح دموعها ترسم أمامها آفاقا واعدة؟ أو ليست الأولى تستشعر الآتي فتقف مجندة
الأمة في وجه هذا السقوط المريع تمزقا واقتتالا بين الأشقاء.
تجمع كل التقارير أن الراحل عرفات ترك في حسابها ملايين الدولارات
وتقول الصحافة الفرنسية أن البوليس الفرنسي استدعاها محققا معها عن مصادر أموال
ضخمة صبت في حسابها . دلوني على أصبع واحد يشير لها بسوء وهي توظف هذه الثروة في خدمة القضية ؟ يقول قائل أنها تفتقر لحس المبادرة والثقافة.
لكن أليس هناك بجانبها من يؤازرها أليس هناك من المناضلين الأفذاذ من يشكلون صرحا
تتكئ عليه ونبراسا تهتدي به؟ أو ليست هناك أمها ريموندا الطويل التي قيل أنها تحسن
جيدا سلخ التيس مهما طالت لحيته. فكيف عبدت هذه الطريق لسهى حتي تسقط الزعيم في
حبائلها ولم تعبد لها الطريق لمواصلة نضال الزعيم بأنفة الزعيم وهمة الزعيم ؟ .
يقول قائل أنت لا تستطيع أن تصنع من دمية زعيمة. وأنا لا أحب هذا
التعبير لكني أقول هذه المرأة كانت زوجة عرفات
ولا أكاد أتصور لحظة واحدة أن القائد تزوج دمية أي لأنها فقط أمرأة جميلة
ذات حسب ونسب. إنه تزوجها لأنها تقاسمه أحلامه وجدانه تضحياته . وإذا كان الأمر عكس
ذلك فإن هذا يفسر أن القضية لم تكن إلا
بيدر تبن ما أن غاب الزعيم حتى اصبحت بيدر رماد تدروه رياح حمساوية هنا وأخري
فتحاوية هناك .
وإذا فهذا يفسر أن سهي لم تكن مؤهلة لهذا الدور الذي حلمناها تلعبه،
لأنه يفترض تربية نضالية ثقافية و رؤية
للعالم ببرنامج بديل وأخلاق بديل . إننا هنا في عز الحداثة،
وهذه ليست أطفالا يفجرون أنفسهم بين الابرياء ، ليست بندقية عمياء ورصاصة أعمي، الحداثة
هي هذا التناقض المؤلم بين صورة السيدة سهي تسكن
قصرا في "نوييى" أرقى الأحياء الباريسية، وصورة الأطفال
الفلسطينيين يتضورون جوعا وقهرا تحث الاحتلال. كيف تستغرب السيدة المذكورة من هذه
الكراهية العميقة التي يكنها لها الشعب الفلسطيني لأنها "ورثت" أموال
عرقه ولأنها رفضت بأنانية غرة أخطر دور تاريخي كان يمكن أن تقوم به امرأة فلسطينية
لصالح القضية المقدسة؟
لندن . 23/8/2007