أعترف
أني من القراء " المخلصين" للأستاذ فؤاد عجمي ،اللبناني جذورا والامريكي
جنسية. لقد قرأت له في مختلف الصحف الأمريكية خصوصا في" الفورين أفيرز"،
وغيرها من كبريات الصحف التي تتسابق للظفر بكلمة منه، فهو المحاضر في جامعة جون
هوبكنز والمتخصص في الشرق الاوسط، وهو الحائز علي أرفع الأوسمة الامريكية
تقديرا للخدمات الجليلة التي يقدمها لبلده
أمريكا.
بالإضافة
لهذا فإن ذ عجمي ظل دائما وأبدا من أقرب المقربين للبيت الأبيض، ولعل هذا التقرب
أصبح حميميا مع بوش، والذي مع مشاريعه الشرق أوسطية أصبح في مسيس الحاجة لرأي المثقفين
المنتمين للمنطقة، وقد أبلي ذ عجمي البلاء الحسن فأصبح مستشارا مسموع الكلمة .
من هنا
فإن القراءة لما يكتبه الأستاذ تصبح منيرة ، إنها مِؤشر قوي للملامح الحالية
والمستقبلية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. والإستجواب الذي أجراه مع الموقع
الإلكتروني إيلاف، يعبر عن نفس المنطلقات التي يدافع عنها الاستاذ المحترم، الذي
أعترف أنه يشكل عندي لغزا عسير الفهم، إذ لا أعرف كيف أفسر كل هذا المجد وهذا
التكريم الذي يحضي به ، وفي نفس الوقت هذه السطحية البائسة التي يعالج بها
قضايانا. ولعل التخبط الأمريكي في المنطقة،
يعطي فكرة عن نوع الإستشارة التي يجود بها الأستاذ على الرئيس .
الإستجواب
في إيلاف لايحمل جديدا. فلماذا أتوقف عنده؟ لأنه محمل بأكثر من درس. إنه يعبر
بجلاء عن الهوة بين واقع عنيد والإرادة الاكاديمية المنضرة للوهم . إنه
الإيديولوجية عارية في عصر تموت فيه الإيديولوجيات. إنها البهلوانية تلملم أسمال
الشرعية الديمقراطية لتغطي بها الاحتلال والإفلاس. إنها لحظة تدعو للإشفاق ونحن
نري الاستاذ يخوض في الوحل والدم ويدعي
باسما أنه يتنزه في حديقة الحرية الغناء.
إنه يتحدث عن الأنظمة العربية والإسلامية
"التيوقراطية "، ولا يري من يدعمها. إنه يتحدث منتقدا بحدة الفلسطينين "وتمجيدهم لأطفال
الحجارة ، واحتفالهم بالعنف "، ولا يري أن ظهرهم للحائط. ويرى أن العراقيين
" عليهم أن يشكروا بوش لأنه جاءهم بالحرية التي هم بها ينعمون"، بل ويمضي أكثر من هذا ليقول " لو خسر بوش
سباق الرئاسة لكان صدام لايزال في السلطة
ليخلفه إبناه عدي وقصي وبعدهما حفيده
مصطفي وكان يمكن لذلك الرايخ التكريتي أن يدوم ألف سنة".
سيداتي
سادتي أعفوني رجاءا من التعليق علي كلام
لا أعرف في أي خانة أضعه. لكني أقول أنه في الوقت الذي كان فيه ذ عجمي يتحدث
عن الحرية التي" ينعم بها الشعب العراقي" كان المواطنون اليزيديون
يدفعون ثمن اختلافهم العقائدي. لن نتحدث
عن حمام دمهم فقد اختلطت علينا حمامات الدم محطمة الحدود بين العشائر والطوائف بين الملل والنحل لتصبح هذه كلها مجرد أمواج
متلاطمة في بحر الدم العراقي.
لن نتحدث عن هذا، بل لنتوقف أمام تقرير"أوكسفام" الذي نشرت الإ ندبندنت فقرات موجعة منه. التقرير لايشير للخراب الثقافي ولا الخراب الإقتصادي، ولا الخراب الأمني، إنه خاص بالبعد الصحي، وإذا فهو يعطينا صورة تسري قشعريرة باردة في أعضائنا، إننا نكتشف بلدا بأكمله يحتضر، المؤسسات الصحية يقول التقرير مستشفيات كانت أم معاهد تدريسية فقدت ثمانين في المائة من كوادرها، ثلت الأطفال يعانون سوء التغدية، نصف العراقيين تقريبا يعانون الفقرالمطلق ،
يشير
التقرير: ثمانين بالمائة من العراقيين لا يتوفرون علي الماء الشروب. دجلة والفراة . الفخر التاريخي والجغرافي
للعراق، هما الآن في طور الإحتضار، إنهما يختنقان بالثلوث بفعل الأزبال والقمامات
التي تلقي فيهما نضرا للتسيب الأمني والفوضي السائدة. وبالطبع فلكل هذا عواقبه
المهولة على الكبار وخصوصا الصغار، الذين يدفعون الثمن إسهالا وحمي وترديا صحيا
ونفسيا.
يضيف التقرير: من نتائج كل هذا الخراب أن أصبحت الحياة جحيما
حقيقيا، أربعة ملايين من العراقيين هم اليوم في طور مغادرة
العراق وهم رجال أعمال
وكوادر عليا وأطباء ومهندسين وهذا يعني أن البلاد تفرغ من طاقاتها الحية، وإذا
فمستقبلها حالك السواد.
التقرير
يتحدث بمرارة عن هذه الملايير من الدولارات أنفقت من طرف الأمريكيين والبريطانيين
في المجال العسكري، في الوقت الذي تشكو فيه المنظمات الإنسانية من خصاص مريع حد
أنها لاتجد ماتدفع به غائلة المرض عن أطفال يتضورون جوعا وألما.
متى كانت
الحرية تنجب كل هذه الأهوال، قهرا وتعصبا وقتلا وإبادة وجوعا ؟ عفوا سيدتي الحرية
أنت أنبل واشرف من ان يلطخ إسمك الشريف بنقطة واحدة من بحر العار هذا....
المفكر
الراحل إدوارد سعيد أو الرفيق الأعظم للحرية والذي نفتقد اليوم حرارة صدقه وعمق
تحاليله ـــ أوليس" في الليلة الظلماء يفتقد البدر" ؟ـــ سبق وان أشار ببنان لايساوم للاستاذ عجمي محذرا إيانا من أولئك الذين
ينزلقون بوعي أو بدون وعي في خدمة أقبح المشاريع الأستشراقية بدعوي أنها تجلب
النفع لأوطانهم نور.