صرخ الشواش " مححككمة".. وقف الناس. .دخل القاضى وخلفه
أعضاء هيأة التحكيم .. فراريج مزهوة بقزازيبها الملونة .. جلس القاضى كما جلسوا
..كما جلس الناس . إنتصب الغراق يأخذ الكلمة . أخرسه القاضى بإشارة ..صارخا ميمما
وجهه شطر الجمهور : " أيها الناس.. إسمعوا وعوا .. الكلمة للسيد الحمار
فلتستمعوا كأن على رؤوسكم ذباب ذنبه.. وعلى أكتافكم منغاز وسامه .. تفضل إذا حضرة
السيد الحمار... واعلم أنه إن كان لك من قديم فدعه لممات ... أما إن كان لك من
جديد فهات.."
أخذ الحمار المكروفون وصرخ ناهقا : " أيها الناس إنى حمار كما
تعلمون ودليلي على ما أقول أذنى الطويلتان،
خلقهما الله لى حتى ألتقط ماتجيش به صدور بنى البشر، أزعاقا كان أم همسا أم رعدا مدويا .. ويعلم الله ما أكتر
ماسمعت ، بل وأقول لو أن كل هذا الذى سمعت نزل على جبل لتصدع وتفجر أكوام حصى
وحجارة تملأ السهل والوادى. ....
" نعم ... حتى الأمس القريب، وأنا قانع بعلافتى وشعيرى وإسطبلى
وعربتى، راض عن المنغاز فى كتفى والبردعة فوق ظهرى، ومع كل ذلك فيض الشتمات
واللعنات فوق رأسى ، والركلات فى مؤخرتى .. نعم لقد حرمنى بنى البشر من كل متع
الدنيا، فلا زعرطة ولا حنقزة ولا هرنطة، إلا بنصيب معلوم، أما المتعة الأكبر والأخطر
والأحلى، وأعنى بها لحظة عناق وحنان مع حمارة رقيقة تجمعنى بها
رعشة الحواس .. فهى محضورة، لا يسمح بها
إلا كالبرق الخاطف، لا لإحقاق
متعة، وإطفاء شعلة، ولكن فقط لمجرد إنجاب حمار جديد، ينطلق دحشا بهي الملامح
كالغزال، ولكنه لايلبت أن يصبح حمارا "أضبرا" أغبرا....
" نعم أيها السادة هذه حياتى ، بويلاتها ومآسيها، وهذه بردعتى
بحبالها وأوساخها، وهذا منغازى بقيحه ودمائه،
وكل هذا حتى الأمس القريب عندما فوجئت فى إسطبلى بمجموعة من أبالسة الإنس،
تفتق خيالهم عن فكرة جهنمية .. أخذونى
وضعوا على ظهرى توبا أخضرا ، خطوا عليه كلاما من إنشائهم الرديئ ، تم إقتادونى
للشارع العام ، حيت وجدت رهطا من البشر يصرخون بشعارات ضد أهل الحل والعقد، مرددين
: "يالطيف ألطف بنا فيما جرت به المقادير، كنا عربا أم برابر، فلا تفرق بيننا
وبين إخواننا الحمائر" وكان زعماؤهم يخطبون : " اللهم إن هذا لمنكر أن
يصبح المواطن وصوته أدنى درجة من تمن الحمار .. بل وكانوا يصرخون بغضب إننا نطالب
بالمساواة كل المساواة مع الحمير أو لسنا من نفس الطينة و نفس العجينة "
" نعم لقد جبت شوارع المدينة، زعيما مبجلا، البعض يربت على كتفى، والبعض الآخر يمد لى قبضة
عشب طري، أو كمشة شعيرشهي، بل أن حسناء
فاتنة طوقت عنقى بذراعيها البضتين، قبل أن تفتح راحتيها بكمشة سكر، كنت أقضمها
وأنا أغالب نفسى حتى لا أخرج لسانى الطويل فأجرجف السكر الآخر فى صدرها المورد
بأريج يسكر كل حمير الدنيا ..
" نعم حضرة القاضى، طفنا شوارع الحاضرة، حتى جئنا مقر أهل الحل والعقد
، وهناك خرج زبانية البوليس، وأخرجوا عصيهم وأصفادهم، فاعتقلوا قادة المظاهرة
وأخذونى ركلا وشتما إلى الإسطبل العتيد، وهناك تركونى قيد الإعتقال بتهمة لا
أعرفها وجريرة لم أرتكبها .. وقد ضللت هناك حتى هذا اليوم الأغر الذى إقتادونى فيه
أمام محكمتكم الموقرة ..
" وإنى أستغل هذه الفرصة، لأصرخ بكل قوتى إنى بريئ ، بل أحتج مستنكرا هذه المطالب الرعناء، التى
تطالب بالمساواة بين بنى البشر وبنى
الحمير ..كلا سيدى القاضى، هذا مما لا نرضاه نحن الحمير، إننا أبرياء من شرور بنى
آدم، من أوبئة حروبهم، وتفسخ أخلاقهم، وهتك أعراض بعضهم البعض ، كلا ، إننا أعلا
مرتبة من هذا الدرك الذى يتخبط فيه
بنى الإنسان .. وإذا كان صوت المواطن من بنى البشر لايساوى زغبة من زغب أذنابنا،
فإن ذلك التعبير الأوضح ، واللغة الأفصح عن إنحطاط هذا الجنس المسخ المتسخ ..
" ولمحكتكم سيدى القاضى واسع النظر، الذى هو قصرالبصر والبصيرة ، فى أمخاخ بنى البشر ... ممددون على أرائك أم متمرغون فوق حصيرة " .