تناقلت صحافتنا المغربية فى غياب أدنى اهتمام, هذا
الخبر المهمل جنبا لجنب مع أخبار الكلاب الظالة, ويقول بأن مواطنا جزائريا معتقل
فى بلادنا ومحكوم بعشرين عاما حبسا نافذا, قد توفى بعد إضراب عن الطعام دام سبعين
يوما .
صحيفة أخرى ذكرت أن
المواطن المذكور ينتمى لخلية سلفية إرهابية, وأنه كان متهما بمحاولة تفجير السفارة
الجزائرية فى الرباط . صحيفة أخرى ذكرت عكس هذا قولا أنه متهم بإطلاق النارعلى
القنصلية الجزائرية فى وجدة ...
هذا ماتقوله صحافتنا
العتيدة, ولا تقول شيئا آخر, لا لأنها لا تعلم شيئا آخر ولكن لأن الخبر لا يستحق
أدنى اهتمام, وهكذا فإننا لا نعلم شيئا عن إسم الرجل ولا عنوانه ولا انتماءاته,
ولا كيف القى به حظه التعيس بهذه البلاد التى تجرع فيها كأس المنون وكؤوسا أخرى...
الله وحده يعلم بأي ثمالات كانت طافحة ...
إنه الإستبداد المقيت
والعدالة الأمقت
وتتناسل الأسئلة هي الأخرى طافحة بكل المرارات
التى يجرعنا إياها الإستبداد المقيت, وعدالته الأمقت, وبوليسه الأكثر مقتا ..
هل يعقل أن نحكم على
رجل بعشرين عاما سجنا نافذا لأنه كان يملك نية تفجير السفارة ؟ أو لأنه أطلق النار
على قنصلية ؟
ثم حتى لو فرضنا أن الأمر كذلك, فإنه لم يحصل
هناك من تفجير لا ولم يكن هناك من ضحايا, فكيف نبرر والحالة هذه هذه السنوات الثقيلة
فى غيابات الجب لجريمة كانت مجرد نية وتخطيط ؟
إن القارئ ليس بحاجة
للكثير من النباهة حتى يتبين له الخيط الأبيض من الاسود فى هذا الظلام , ويكتشف أن
كل هذا ليس إلا نسيجا بوليسيا مخزنيا يفقأ العين بحسه الإنبطاحي, حتى يؤكد أنه فى
الواجهة خوضا لهذه الحرب الضروس, ضد ذلك الإرهاب الذى أصبح البردعة تعتلى ظهرها كل
العقارب عبورا نحو ضفاف أسيادها واستيهاماتها ..
لنتصور لحظة المسلسل
الذى أفضى بهذا الرجل لهذا المصير المأساوى ..
رجل" النيف"
فى مستنقع اللئام....
الذين عاشروا أو تعرفوا
عن قرب على أشقائنا الجزائريين يعلمون يقينا ذلك التشبت العميق بالذى يسمونه ''
النيف", أي الأنفة والعزة, ولنا أن نتصور لحظة رجلا من هذا الصنف وجد نفسه
أمام نظام بوليسي يحبو غرائزا وأنيابا ؟ أو ليس الجزائري الممقوت, ذلك الذى اخترع
البوليزاريو وفجر حرب الرمال وأقفل الحدود ... وغير هذا من الجرائم المنكرة التى
كانت شر الأسباب فى انحطاط الإمبراطورية الشريفة
وترديها الحضاري ....
ولنا لحظة أن نتصور رد
فعل الإنسان الجزائري أمام سيل الإهانات, إنه وهو المشتعل غضبا أمام أدنى مساس
بكرامته لا يلبث أن ينفجر فى وجه من يخدشون عزته, فماذا عمن يريدون دوسه تحت
جزماتهم القذرة؟ إن لسانه آخر ماتبقى من
سلاح يدافع به عن عزته , وإذا فإنه يستعمله بلا أدنى حرج سهاما مشتعلة ترد الجيف
النتنة التى ترجم بها كرامته ..
وكان على الرجل أن يدفع
الثمن المهول.. دوسا .. وتهميشا وتمزيقا .. حتى آخر نفس .. حتى لم يعد إلا خرقة
دامية .. وكان عليه ساعتها بأصبع لم يعد له .. ولا فى يده .. إلا التوقيع على محضر
الجريمة المنسوبة له .. أي تلك التى لم يرتكب .. أي تلك المرتكبة فى حقه ...
ثم بعد هذا أخذوه أمام
القاضى الذى لم يكلف نفسه حتى عناء استنطاقه .. وكيف؟ أليس جزائريا وسلفيا
وإرهابيا؟ فكيف يسأله إذا عن ظروف اعتقاله واعترافاته وعن انتماءاته؟ ولا عن
حقيقة هذه التهمة البليدة تهمة نية تفجير السفارة؟ ولا كيف قادته خطاه التعيسة
إلى هذا المستنقع بهذه التماسيح التى نهشته دما وروحا ولحما وأعصابا تم جاءت به
مضغة لرحاب هذه المحكمة الذئابية؟
القاضي ليس بحاجة
لإضاعة وقته الثمين فى الإستماع لدفاع لا وجود له .. وحجج باطلة أصلا .. فالحجة
البوليسية المخزنية هي الأسطع والأنجع .. يضاف إلى هذا أن هناك قضايا أخرىبملفات
من ذهب .. وإذا فعشرين عاما حبسا نافذا لهذا الجزائري الذى اقتحم مدينتنا الفاضلة ليعيت
فيها فسادا وخرابا ...
بالعز... اسقنى كأس
الحنظل ....
ووجد السجين نفسه فى
زنزانته الباردة مع صراصيره وفئرانه .. واكتشف رجل " النيف" أنه لم يعد
له من سلاح فى وجه " اشمايت" إلا رفض هذا الطعام المتسخ الذى يقدمونه له
فى طبق متسخ بعد أن بصقوا وربما تبولوا فيه ... نعم بعزة الإنسان الجزائري بشهامة
الإنسان الجزائري.. ركل الطبق المتسخ صارخا ..
لا تسقنى كأس الماء
بذلة بل فاسقنى بالعز كأس الحنظل ..
وشرب السجين كأس الحنظل
.. كأس المنون .. حتى آخر قطرة حتى الثمالة ...
لكنى أنا الذى أوقع هذا
المقالة أقول لكم ..."أتحداكم أيها الجلادون أن لا تخجلوا يوما أمام أسئلة
أطفالكم عن هذا الرجل الذى قتلتموه جوعا ودوسا... أتحداكم أن لا تحسوا أسئلة ضميركم
أشواكا فى مضاجعكم ... أتحداكم وأتحداكم ......"
الدكتور
أحمد بن بنور