كان عبد الحليم قنديل
ضيفا على الجزيرة وكان يتحدت بعفوية آسرة وكنا نحسه متخنا بجراح مصروأوجاع مصر..
كان منطلقا بفصاحته المستنيرة بشرارات الغيض غيض الكاتب المشتعل حد الإحتراق بكبرياء
أمته المهانة .. ؟
وفجأة وكأنما أرادت له
الصحافية اللامعة التى كانت تستجوبه إلا أن يتعترفيتحدت عن شخصه عن تجربته عن
معاناته صراعا مع نظام مدجج بمستنقعات هوانه ومناجل بلطجيته ..
نعم .. يقول الأستاذ
الكبير.." ضربونى أهانوني حطموا نضارتي عصبوا عيني .. جردونى من كل أثوابي ثم
أخذوني فى سيارتهم إلى حيت كنت أعرف أنى لا أعود وهناك ألقونى عاريا كما ولدتنى
أمي .. ساعتها وأنا أزيل العصابة على عيني كنت أشعر بسعادة فعوض الموت كنت أكتشف
نفسي حيا ..."
نعم مرة أخرى كان
الأديب الكبير يتحدت بعفوية آسرة وارتجال يخفق باشعة ذلك الصدق الغامض الذى يفجر
جيش الدلالات وشلالات الرموز .. ماذا لو توقفنا عند بعضها ؟
هل كانوا يستهدفون
إطفاء "قنديل" الحقيقة ؟
هل كانوا يعرون عبد
الحليم أم كانوا يعرون مصر؟ هل كانوا يجردون الإبن المخلص للأم العظيمة من أثوابه
أم كانوا يجردون الأم ذاتها من كرامتها ؟ هل كانوا يعصبون عينيه أم عيناها حتى لا
ترى ؟ هل كانوا يكممون فمه أم فمها حتى لا تنطق ؟ هل كانوا يخرسون عبد الحليم
قنديل أم كانوا يستهدفون " قنديل" الحقيقة المصرية ؟ ثم هل كانوا يلقون
به عاريا خارج المدينة أم كانوا يلقون بمصر ذاتها على الهامش أي خارج التاريخ الفاعل
تاريخها النابض فى ذاكرتها والآخرالمتموج فى رحمها آفاقا وعهود أخرى؟
أو لسنا هنا فى هذه
اللحظة العميقة لحظة الكاتب وقد عانق أحلام أمته لحظة يتحد فيها الفنان الأديب مع
انفاس أمته حتى يصبح شعلة نور تتحرك بإيقاعها بأحلامها باوجاعها أو ليس الكاتب هنا
يربط مصيره بمصير تلك الأمة ؟ أو لسنا هنا فى عز إشكالية الخلود تلك الفكرة التى
شكلت جوهر الحلم الفرعونى ؟
فى كتابة عبد الحليم
نلمس باصابعنا ذلك السخط العميق ونحن نسبر أغوار ذلك المستنقع الذى أسقطت فيه مصر..
أو ليس غريبا أن نطرح السؤال العميق .." هل عبد الحليم هو الكاتب حقا ؟ أو
ليس الكاتب هو مبارك وأذنابه ؟ " .. فى نهاية التلاتينات من القرن الماضي كان
الفنان العظيم بيكاسو يعرض لوحته الخالدة " غرنيكا" وكان بين الزوار
ظابط نازي كبير وقف متأملا مندهشا تم طارحا السؤال .." هل أنت الذى رسمت هذه
اللوحة ؟" وكان جواب الفنان الكبير مبعت دهشة الجميع .. " كلا لست أنا
الذى رسمت هذه اللوحة .. أنتم الذين رسمتموها .."
لو مر فلاح مصري على
عبد الحليم قنديل ووجده عاريا لخلع عليه فى اللحظة والتو أثوابه فليس من فلاح مصري
يرضى أن يرى مصر عارية .. لو مر عامل أو طالب أو حرفي لو مرت إمرأة أو شيخ أو طفل
لو مر أي مواطن مصري على عبد الحليم قنديل عاريا لخلع عليه أثوابه فمصر لا تتعرى..
مصر لا تداس كرامتها.. مصر لا تهان .. ذاك الطابو الأكبر والمحرم الأعظم من تجرأ
على المساس به لا يلبت أن يفجر غضب الآلهة أكانت فى السماء أم فى الأرض .. من هنا
هذه الأمواج البشرية .. هذا الغضب العارم .. وهذه الساحات التى تحولت ميادين تحرير
...
الشاهد الكبير محمد
حسنين هيكل ..
تستطيع أن تكون
دكتاتورا وجاهلا وتحكم أي بلد .لكن كيف يمكن أن تكون دكتاتورا وجاهلا وتحكم مصر ؟
كيف ومصر أم الدنيا ؟ كيف ومصر أم الحضارة ؟
يقول ذلك الشاهد القوي
الحضور وأعنى به الشاهد الذى لا يدحض الاستاذ محمد حسنين هيكل أنه استقبل ذات يوم
أحد كبار الصحافيين المصريين وكان ساعتها قادما لثوه من لقاء مع مبارك ويروي أنه
فى منعطف ما خلال الحديت قال " هل تعلم حضرة السيد الرئيس أن الكرسي الذى
تجلس عليه سبق أن جلس عليه قبلك رمسيس ومحمد علي وجمال عبد الناصر ؟ استغرب مبارك
يضيف الصحافى تم أجابنى ساخرا . " الكرسي ؟ هاهو إنه لك خلصنى منه .. خذه .. "
ماساة مبارك أنه لم
يدرك يوما أنه يحكم أم الدنيا .. لم يستشعر ولا لحظة تقل التاريخ ولا عبقرية
الجغرافيا . مصر الخالدة مصر الملهمة لم تكن إذا إلا ضيعة له ولعصابته وإرتا يسجله
لأبنائه من بعده ..
لكن رئيس مصر كان يكتشف
ذات صباح أنه ليس كذلك وأن الاصوات النشاز هي السمفونية الجديدة فى حنجرة الفجر
الجديد .. وكان يرى وكنا نرى النيل يفيض يسقى الارض الموات ويعيد للقفار خضرتها
ويغسل وجه مصر فتستعيد بهاءها فإذا هي الخالدة كما هي .. الزمن شاخ " وهي
شابة .. هو رايح وهي جاية ..."
الدكتور أحمد بن بنور