Rechercher

vendredi 15 mai 2020

قانون لتكـميـم أفـواه المغاربة ؟ أم لخنق أنفاسهم ....؟

مشروع قانون دوس الحريات بمغربنا المسكين... لا أعرف من كان خلف محاولة تمريره. لكنى أعرف يقينا أن هذا الشبه قانون هو الإبن الشرعي ل "ضيعة الحيوانات"، تلك الرواية الخالدة، للخالد المبدع جورج أورفيل. وإذا فهو مشروع طموح، يهدف تكميم الأفواه فهي لا تنبس، وتضميد العقول فهي لا تفكر، وسحق العواطف فهي لا تعشق، وقطع الألسنة فهي لا تنطق  ...

Ahmed Ben Bannour


لكن كل هذا لا يكفى، لذلك وجب تأسيس "بوليس التفكير"، كما عهدناه في أعرق الستالينيات المشمولة برحمة الله. لكن متـى كان هذا يكفي والأيادي طليقة، مما يعنى حرية الإشارة، ونحن نعرف قوة الإشارة تلميحا وتصريحا ؟. ثم كيف ؟ والعيون بدورها مفتوحة على سعتها، ونحن المغاربة مشهورون بقوة التواصل غمزا، بل إن الكثير من علاقاتنا الغرامية دشناها بغمزة بريئة تطورت لـكـزة جريئة. ونذكر جيدا أنه في مجتمعنا الإقطاعي الذى لا نزال نترحم عليه أعيادا ومواسما وضرائحا، كنا ولا نزال نقول : "الحر بالغمزة والعبد بالدبزة"!


فما العمل، وكل هذا لا يكفي؟ أو ليس حريا بنا تأسيس "محكمة التفتيش"؟ تلك المؤسسة العتيدة، التي لم تجد أوروبا بدا من دفنها لتشييد حضارتها، وهي نفسها الحضارة التى تستظل السلطة بظلالها الوارفة تقنيا وأمنيا، وتـلعنها كل اللعنة فكريا وفلسفيا. نعم، نحن اليوم بحاجة لهذه المحكمة، فهي وحدها الكفيلة بالغوص في أسرار النفوس، ووساوس القلوب، وما يرقد هناك من شياطين الفتنة، وأبالسة الاجتهاد البغيض، ترعاهم الساحرات النفاتات في العقد، وفي شرارات الحس النقدي، تلك الضلالة التي ترفع أعلامها الفئة الباغية، كأنها تجهل أن كل ضلالة فى النار.


Ahmed Ben Bannour

 نعم كل هذا جميل، يقول فقهاء الفتاوي .. لكن هذا يطرح إشكالا خطيرا: إذا كنا سنقطع الألسنة الناطقة سفاهة، ونكمم الأفواه المتفوهة فحشا، ونضع الضراقات على العيون الغمازات اللمازات، ونكبل الأيادي المذنبات... فكيف نحكم شعبا لا يميز ساعتها بين خوعو من بوعـو. ما جدوى شعب لا ينتج، لا يبني، ولا يحسن تلبية الأوامر؟ مالفائدة من بشر تحول غنما تلتم رجل ذابحها وتطلق نفس الصرخة : "مععععععع الله امعا الجاه العالي؟"


آسف سيداتي سادتي، وأنا أنجر لهذا الذي قد يبدو إسفافا، لكن ما حيلتي، أو لم يقل الأديب الفرنسي الشهير بومارشي "إني لا أملك إلا الضحك، أمام  الرداءة حتى لا أبكي".


أعترف أن كل هذا يطرح السؤال تلو السؤال: هل يتعلق الأمر بشريحة سياسية عمياء، تتحرك بعكازة تحزبت فتحولت بندقية تسدد طلقاتها الهوجاء، قتلا إجراميا لحرية التعبير، وحرية المبادرة، وحرية المقاطعة لمنتوج يجهز في وضح النهارعلى جيب المواطن، وراحة المواطن، ويغذي جشعا يطحن الشجر والحجر! هل الأمر يتعلق بسلطة حزبية لا تملك رؤية متبصرة، ولا غيرة إجتماعية، ولا أدنى هم تواصلي؟ هل لأنها صماء بكماء، فهي تريد من المغاربة أن يكونواإلا صم بكم ؟ هل لأنها كذلك فإنها لاتسمع هذا الصريرالذى يزلزل الآذان، صرير هذه الثورات الحقوقية تتحرك يدا في يد مع ثورة رقمية تقتحم ركودنا، لتعرى هنا وتفضح هناك،  ثم لتـوقض كل الأسئلة الراقدة في مقابر الأحلام الموؤودة.


Ahmed Ben Bannour

يقال لنا، الكورونا عرت وفضحت. كلا وألف كلا، الكورونا بريئة فهي لا تحسن إلا الاستيلاء على الأرواح. الذي عـرى وفضح، هو هذه الثورة التي كشفت هزالة الأوضاع الصحية والأجتماعية ببلادنا، وصلابة جذام الفقر بمدن القصدير، حيث الآباء والأبناء والأحفاد والأجداد، الكل يتكدس في كوخ طوله وعرضه شبرا أو بعض شبر.


هذه الثورة هي التى كشفت حقيقة البطالة، وغياب الضمانات، ومعها نزوات قانون للشغل، لا يكاد يطبق إلا ليداس، فإذا بهؤلاء المسمون "أجراء" مهددون دوما وأبدا بالرصيف وأنياب الرصيف. وأكثر من هذا كشف الوباء سلطة تريد من المواطن أن يلزم بيته، فكيف؟ وبيته وأهل بيته يفتقرون لأدنى جرعة ماء، وأدنى مضغة خبز. أو لم نر مواطنين يفضلون صفعة الكورونا، على مطرقة الجوع، فالكورونا قد تكون رحيمة بهم فتوفر حياتهم، أما الجوع فهو يعصف بهم وأولادهم، في زوبعة الهوان والتردي.


من هنا سعار هذه الهياكل التي تنتصب دونكيشوطا يحارب طواحين الهواء. إنها تريد أن تقف في وجه ثورة رقمية، محملة برياح تزلزل أركان المعابد المشيدة ببخور وطلاسم العهود الخوالي.


  كأني بهياكلنا المذكورة لم تعرف بعد أن المقاطعة ليست نزوة ولا فتنة شيطانية، كما يروج لذلك أبواق الدعاية اللوبية، ولكنها موقف ديمقراطي بامتياز. إنها الإرادات الوطنية تخرج لتقول لا للمتاجرة في أرزاقنا، لا لنسف ما بجيوبنا، لا لإغتناء الجشع على حساب تنميتـنا ورقينا. المقاطعة وعي ديمقراطي نبيل، يريد من المقاولة أن تنتج بكل شفافية، وتربح بكل شفافية. لكن أن تجني ما تشاء من أموال وتدوس ما تشاء من أرزاق! فهذه شتيمة للوعي الديمقراطي والحس الوطني.


في الوقت الذي كانت فيه بلادنا تصارع الموت، في الوقت الذي كان فيه منجل الكورونا يحصد الأرواح. في هذا الوقت الذي كنا فيه بمسيس الحاجة لوحدة وطنية فوق الحسابات السياسوية. في هذا الوقت والمواطن يعيش أقبح الضائقات، فالمستقبل غائم، والأفق مظلم. في هذا الوقت الذي بلغت فيه الكبرياء الوطنية أخمص الأقدام. في هذا الوقت يوضع على الطاولة قانون تكميم الأفواه، أي القتل مع سبق الإصرار، لحرية القول، والتفكير، والكلام والحوار، وتبادل الخبر والمعلومات، والصور والرسائل.


 
Ahmed Ben Bannour

هل من غريب الصدف أن الحكومة تسترت على هذا القانون حتى تُـمرره خفية، فلماذا هذا الحسي مسي.؟ لعلنا نملك بعض جواب فنقول : ولأن الحكومة إسم مؤنث، فهل رأيتم إمرأة  تمارس الزنا إلا خفية؟ متى كانت ترتكب "قلة الحيا" جهارا نهارا؟. أو ليس المثل المغربي قوي الحضور هنا عندما يقول "اطلع عليك النهار آلمصحرة مع الفقيه"، وياله من صُحـور مشـؤوم، فقد تلاه نـفـَّـار يزعق وينهق عبر أرجاء المعمور، صارخا "أنظروا الحكومة الملعونة تمارس الزنى مع اللوبي المغضوب عليه لوبي الاحتكار"، إن البعض من أهل اللحى، يعرفون حميميا ما يعنيه الزنى، إنهم لا يفتون في شأنه وكفى، ولكنهم يمارسونه خلف ستار اللحية، وستار السجادة، وستار الدعاء بالعذاب الشديد للفسقة الفجرة.


مع الكورونا بلادنا في مفترق الطرق .... أي طريق؟ أطريق الديمقراطية الحقة أم طريق الديمقراطية التهريجية؟


أو ليس مما يثلج الصدرحقا، لهو هذه الأصوات النبيلة، التى انتفضت في وجه المسخ، إنها أصوات المثقفين الأشراف، وأصوات اليمين بمكوناته، واليساربصنفيه، اليسار الرسمي، واليسار الديمقراطي، وأصوات الجمعيات الحقوقية، وجمعيات المجتمع المدني، وحتى من بعض الأعضاء في الحكومة، وكلها تعبيرعن نفس الغضب، إنها لحظة إجماع ديمقراطي بامتياز، وهذا يعطي القناعة بأن موعدنا مع الديمقراطية منذ الغد، وليس الغد ببعيد.      


  ضمن هذه الأصوات التى تشرف أصحابها، إستوقفنى صوت الأستاذة نبيلة منيب، بتلك النبرة التى لا تخطئها الأذن، وحدها سجلت هذه الحقيقة الدامغة، وهي أن "هذا القانون جاء في ذروة الثورة التقنية والذكاء الرقمي". هذه المرأة وحدها بحسها الحضاري الديمقراطي النزيه، وضعت الأصبع على الجرح. وحدها ذكرتنا أن الثورة التقنية والذكاء الرقمي لا راد لمشيئتهما، وأنهما العدو الألذ  للإستبداد.  أو ليست كلمتها هذه تنطوي على رسالة ضمنية، أو ليست دعوة صريحة للسلطة الحزبية تدعوها للتصالح مع واقعها، ومع المعـطيات الفـلسفية والحداثـية لعصرنا، وإلا فالويل لنا من مـناجـل كـورونا، وعـواقـبها زلازل كانت أم قـلاقـل ! ماجدوى لطم الخـدود ساعـتها، وقد استوى نـعـيـق الغـربان وشـدو البـلابل......؟ !

الدكتور أحمد بن بنور