Rechercher

mercredi 25 octobre 2023

اللا طاهر و اللا بنجلون .. وداعا للكاتب الذي كان كبـيـرا

 ماذا يتبقى من كاتب يـغـمـس ريـشته فـي العيون المـفـقـوءة. عـيون رُضَّـع تهشمت أطـرافهم تحت القصف الـوحشي ؟ ماذا يتبقى من كاتـب يـغـمس ريشته في دماء إمرأة مـزقـت أحـشاءها القـنـابـل و هـي في عــز الـمـخـاض ؟ ماذا يـتبقـى من كـاتب يـقـف على شُـرفـة استيهاماته، متطلعا لآليات الدمار تـُـطوق مسجده الأقصى. و يصرخ في الجنود بـسُعـار محـمـوم : " ويـحـكم يا أيها الأبطال، خربوا ذلك المسجد. تقدموا صفا صفا، و دُكوه دكا. فبه تحتمي أمـي و ذاكرتي. و هـناك يُـصلي أبي. خربوا كل ذلك على رؤوسهم. و اعـطـوني حـجارته الـمقدسة، لأصنع منها جـسر عـبور نحو الجائزة الأكـبـر؟ أو لـست رب الكلمة، و قائدها المُـظـفــر ؟


اطاهر  بنجلون
وداعا للكاتب الذي كان كبـيـرا

رأيت جنرالا  يـقـفـز فـوق ركام الـجُـتـت. جُـتـت الرجال و الصبيان و النساء و الشيوخ. ثم رأيته يضع جزمته فوق الجماجم و يصرخ ضاحكا : " ويحكم لا تـغـتـروا. إن هؤلاء ما كانوا ليكونوا بشرا. كلا، انهم مجرد عُــربان غاربة. إنهم مجرد حـُـتالات. إنهم ليسوا إلا حيوانات بشرية ". و رأيت الكاتب الأغـر يـنـط مُـصـفـقا : " دام لكم العـز والـمجـد يا مـولاي. نـعـم، هـذه ليست كائـنـات بـشرية. و لـكنها كـائـنات أدنـى شـأنـا مـن الـحيـوانـات. إنهـا بـلا ضمـير و لا أخلاق !  فوحدكم الأخلاق و وحدكم الضمير، دام لكم المجد كل المجد. فـتـقـدمـوا قـصفـا، و تـقــدمـوا نــسـفـا. و هـا نــحـن أمـة الـعـُـربان تـتـمـطى أمـامـكم ركـوعـا و زحـفـا

  يقول الشاعـر العـظـيم محمود درويش: " عـلمـتـنـي ضربة الجلاد أن لا أساوم. علمـتـنـي ضربة الجلاد أن أقـاوم". نعم، هذا عن الجلاد. لكن، بالله ماذا عن ضربة الشقـيـق يا محمود؟ ها سـكيـنه القـذر فـي ظهـرك و ظـهـر الـقـضية و في أعـيـن أم،  و فـي بــطـن صـبـي و صــبـيـة ؟

 نعم، و ألف نعم، من حق الكاتب و قد اختار أن يصبح الـكـُـويـتـب أن يكتب ما يشاء. و أن يفعـل بـقـلمه ما يشاء. بل، و حتى أن يـشحذه ليجلس عليه مزهوا منتشيا بحرارته. لكن أن يـجـعـل من قـلمه قـادوس قذارات  يتـقـيؤها عـلى وجـه أمـته، فـتلـك الخـسة في أعلى قـممها

الشاعـر العـظـيم محمود درويش
الشاعـر العـظـيم محمود درويش

 القلم منتصبا أم القـلم زاحفا ؟

"منتصب القامة أمشي". هذا ما يقوله العـظـيـم درويش و لنا أن نتساءل : ماذا يتبقى من قيمة الكاتب و قد اختار المشي زحفا أي خنوعا و ركوعا ؟ ها نحن ننظر اليه مشمئزين. 

 وها هم تجار الضمير يقهقهون ضاحكين : " هذه بضاعة لا قيمة لها. فمتى كنا نستأمن من يـبـيـع قضية أمته مـقـابـل جائـزة لا يـــسـتحــقـها. كــيــف نـُـصافــح يــدا تــغــمـد خــنـجــرهـا فــي أنـفـة شـرفـها ؟ ".


يقول كاتبنا فرحانا بِـنـعـْـيه " لقد ماتـت الـقـضـية الـفـلسطيـنـية على أيدي إرهابـيـي حـمـاس". يا لـلـذكـاء الباهـر. يـا لها من رؤية إستـشـرافـية، زرقـائـية، يمـامـية ! هل هو عُـمي البصر أم نـفـاذ حـيلـة الـبصـيـرة ؟

من يـنـكـر أن الـقـضية الـفـلسطيـنـية تعيش مخاضا جديدا و ولادة جديدة. وها هي اليوم على كل شـفـة و كـل لـسـان ! ها هـي تحـتـل كـل الساحات. هـا هـم الـشهـداء الأبـطـال. شـهـداء اليوم و الأمس. ها هـم يـتـقـدمـون. هـا هـم و كـما كـانـوا دوما و أبدا بنفس الملامح النبيلة، و نفس الأصابع، على نفس الزناد.

غسان كنفانى
الكاتب العـظـيم غسان كنفاني

ها هو غسان كنفاني يصرخ في وجـوهـنا : " ويـحـكـم كـيـف تـتحدثـون عـن وصيتي و عن عشائي الأخير. ويحكم متى كان لي عشاء أخير و أنا الحاضر دوما و أبدا في كل خندق ؟ كيف تتحدثون عن وصيتي؟ كيف، و متى كانت وصيتي إلا بـنـدقـيـتـي ؟

ها هي أشعار العـظـيم درويش تعـود بـقـوة. و ها هـو أحـمـده العـربـي لا " يـقـفـز عاليا كي يرى حـيـفا " و لكنه يـعانق حـيـفـا لـيجـدد عـقـده الـمـقـدس مع الأرض  و التاريـخ و المستـقـبل.

كيف لكاتب كنا نكن له كل تقدير، يأتي بهذه السخافات لينشرها على العالمين؟  إني أبحت عن جواب، و لكن لا أجد غير سؤال يحيل على سؤال. و ها نحن في لجة الأسئلة. و ها نحن نبحت عن شاطئ الخلاص. خارج هذا البحر المتلاطم أمواجا لم تعد إلا جـُتـتـا فـوق جـُـتـت. و مساجد لم تعد إلا أنقاضا فوق مساجد. و كنائس خرائب فوق كنائس. و مستشفيات حطاما فوق مستشفيات .... يالله، هل هو الفناء ؟ هل هي القيامة ؟ كلا، إنه الخزي يمشي فخورا مختالا بإنجازاته الباهرة .

 

تعالوا نطالب بمؤتمر قمة يترأسه محمد و عيسى و موسى،  حتى يصدروا بيانهم المقدس، مُـدبـَّـجـا باللعـنة كل اللعـنة على ممتهني كرامة الإنسان وعـزة الإنـسان

مؤتمر محمد و عيسى و موسى

من قال محمدا كان نـبـي العـرب ؟ كلا، محمدا عليه أزكى الصلوات كان نبي الرحمة لكل المؤمنين.

من قال المسيح كان نبي النصارى ؟ كلا، عيسى عليه السلام كان نبي التسامح لكل المؤمنين.

من قال موسى كان نـبـيا للـيهـود ؟ كـلا، مـوسى عـليه السلام كان نـبـي الأخـاء لـكـل الـمؤمـنـيـن.

 فكيف لا يـنفـخ الـنافـخ فـي الصـور : " يا أيها المؤمنون المسلمون، يا أيها المؤمنون المسيحيون، يا أيها المؤمنون اليهـود، تعالوا نطالب بمؤتمر قمة يترأسه محمد و عيسى و موسى، حتى يصدروا بيانهم المقدس، مُـدبـَّـجـا باللعـنة كل اللعـنة على ممتهني كرامة الإنسان وعـزة الإنـسان. أي كـرامة الـمـؤمـنــيـن وعــزة الـمـؤمـنـيـن ".