Rechercher

dimanche 1 octobre 2023

إبنة أخنوش الافتراضية و الدكتورة بنت الأطلس الأبـيـة

asmaa amrani
إبنة أخنوش الافتراضية
 

لنتوقف أولا عند شخصية أسماء،هذه الفتاة المنسوبة ظلما للأستاذ أخنوش. ثم بعد هذا، نعطي الكلمة للدكتورة خديجة، الإبنة الوفية لهذه المناطق التي اجتاحها وباء الزلزال، فـتـركها كعـصف مأكول.


أسماء التي لا يُـراد لها إلا أن تكون أخنوشية أصلا و فصلا، هي فتاة كل مؤهلاتها أنها على قدر عال من الجمال و اللـطـف. لقد تعرفـنا عليها من خلال هذا الفـيـديـو الذي انتشر بسرعة البرق في المواقع الاجتماعية. و فيه تبدو و كأنها لم تدرك أن صحافية شوف تيفي، لم تكن إلا التـعـبـيـر عـن مهـنـية عـالـية، مُسـخـرة لسـحـب الديدان من أنفـها، حـسب الـتعـبـيـر الـفـرنسـي.

 

هذه الـديـدان هـي المـُبـتغـى ! أسماء إذا، و بـبـراءة تحسدها عليها مـلائـكـة الخـُلد، تـقـول : " نعم حقيبتي اليدوية هذه تساوي خمسة عشر مليون سنتيم.. أما ساعتي اليدوية هذه، فقد دفعت ثـمـنا لها ما قـيمته خمسين مليون سنتيم .. هذا بالأمس القريب. أما اليوم، فقد أصبحت بما لا يقل عن قرابة السبعـين مليون.. أما هذا السوار، فقيمته خمسة ملايين و نصف.. أما السوار الآخر، فثمانية ملايين.. أما سيارتي، فتساوي تسعة و سبعين مليون....." و عندما تسأل الصحافية عن سر هذه الملايـيـن الـفـلكـية، تجيب الفتاة الغارقة حد الاخـتـناق بين هذه الحلى و تلك الحلل :  " هذا لوي فيتون و هذا هيرميس و ذاك كارتيي، أي أشهر الماركات العالمية و أرقـاها . بمعنى هذه الماركات التي ليست حصرا إلا عـلى من ولـدوا بجـيـوب مـنـتـفـخـة رُكـاما  أصفرا، قـيـل أكوام بـطـيـخ و قـيل ذهـبـا !

 

كلا هذه العـنزة ليست من ذلك الفحـل !

لماذا يصر أهل  المواقع الاجتماعية على أن هذه المرأة، هي الإبنة الشرعية  للأستاذ أخنوش ؟ على الرغم من أن هذا الأخير، بريء منها براءة إبليس البغيض من خبط جبهته على سجادة الصلاة !

 


لماذا يصر هؤلاء الناس على هذه الكذبة البلقاء ؟ فـهـذه الفتاة ما كانت و لن تكون إبنة أخنوش، الذي لا يمكن أن يعـتـني "بـتـربـيـة الـمغاربة " و يغـفـل عن تربـيـة إبـنـته الـغـالـية. فـيعـلمها كـيف تـميــز بـيـن الـمخـفـي و المـفـضوح. بين القـول المُـباح و ثـرثـرة اللامباح ؟

 

لكن و مما يؤسف له، أن هؤلاء المتـنطعـون، أبـَـوا إلا أن يؤكدوا صارخين مولولين : هذه الخنينيشة هي من الصلب الأخنوشي، أحـبـبـتـم أم كـرهـتـم " و حتى لو طارت تحويما في السماوات السبع، فهي مـعــزة و تبقى معـزة ".  و كان العاقـلون، يـقـولون : "يا أيها الناس، اتـقـوا الله في هذا الرجل، فهـذه المعـزة ما كانت و لن تـكـون من ذلك الـتـيس. كل ما في الأمر أن الله "يخلق من الشبه أربـعـين".

 

ماذا يعنيه هذا ؟ هل هي القطيعة بين الطبقة السياسية و المجتمع المدني حد التشهير المسخ. و الافتراء الكذوب ؟ لندع كل هذا جانبا و نقول، ماذا لو تركنا هذا العالم الأبله الفرحان بما ملكت يمناه و يسراه. ماذا لو انـتـقـلـنا لهذه المرأة، التي و لا كاميرا نقلت صورتها، و لا مايكروفون جنى شَـهـْـد أقوالها.

خديجة بويزورن
خديجة بويزورن الأستاذة الجامعـية و الدكتورة


هل أتاكم حديث الأستاذة ؟

إنها  خديجة بويزورن الأستاذة الجامعـية و الدكتورة. و لعل هذا من غرائب الصدف، فهي إبنة هذه المنطقة التي عصف بها الزلزال، فـتركـها قـفـراء. هذه السيدة راحت تسبر أغوار جُـرحنا، فـكـتـبت هذا الآتى في الموقع الإنجليزي لقناة الجزيرة : " في طفولتي تعودت السفر مع أهلي لجبال الأطلس، فهناك أزغايود قرية أسلافى. يا للدهشة، قمم الجبال الضاربة في السماء. الأرض ذات التموجات الوعرة و أشجار الأرغان تشكل غابة كثيفة بجانب كل هذه الدور الصغيرة، المشيدة من حجارة و طين. إنها بطابقها الأحادي تتماهى مع بيأتها حد التزاوج. الأفـران  الصغيرة و التي تـنضج خـبـزا لذيذا ممزوجا بعــطر تافـرونت. هناك، يـتـناغـم هذا العـطـر مع الأغاني الأمازيغـية لنساء المنطقة و هن منهمكات في تكسير الجوز لصنع زيت أرغان. ذاك السائل الذهبي. و مع كل هذا، أصوات قطعان الماعـز متحدية جاذبية الكون، قـفـزا هنا و هناك بين أسطح المنازل و أسوار الحضائر.

 

" ... هنا أهلي، هذا بيتهم ببابه الخشبي و زخرفته الفنية. و هو الباب المفتوح دوما لضيوف يتكئون في ساحته الظليلة، يحتسون كؤوس الشاي.... هذا الفضاء عندما أستعيده و أستعيد معه الطفلة التي كنت يومها، يعطيني إنطباعا بأنه جنة الله على أرضه. إنها البيأة الأمازيـغـية في وئامها، إنسانا و أشجارا و حيوانا. إنها حياة بسيطة و سعيدة. لكني و مع تقدمي في السن كنت أكتشف أن الأمر ليس بتلك البساطة، و أن هناك شظف العيش. العديد من القرى في الجبال تـفـتـقـر للطرق المعبدة، و المياه الجارية، فضلا عن غـياب الرعاية الصحية. ناهيك عن قنوات الصرف الصحي، و النقص الكهربائي، و ضعف الشبكات التواصلية الهاتـفـية. و مع هذا ضعف التعليم، و شُـح الفرص الاقتصادية، مما يدفع غالبا بالشباب إلى الهجرة بحثا عن فرص الكسب في المدن الكبرى أو في أوروبا ".

 

كلا و ألف كلا إنه ليس غـضب الله !

 و نكتشف أن هذه الهشاشة البنيوية، هي التى جعلت الزلزال يدس أنيابه بلا رحمة في هذه الدور، و هذه الأجساد، و هذه النفحات الأمازيغـية، و هذا الوئام بين الطبيعة و الإنسان.

 

تتحدث الدكتورة بمرارة عن التدمير الذي لحق قـُـرى بأكملها، عن أناس يخرجون أناسا من بين الأنقاض. و ليس من أداة إلا أياديهم العارية. فكيف و هذه الانهيارات الصخرية، و هذه الخرائب المتراكمة، و هذه الطرق المندثرة ؟ و ترفع الدكتورة قبعة التحية لهؤلاء الموظـفـيـن المتـفـانـيـيـن. رجال الإنقاذ الكرام، الذين لم يدخروا جهدا لإسعاف الجرحى، و أخذهم للمرافق الطبية. و كيف أن المستشفى المحلي في تارودانت حيث الأطباء والممرضون والموظفون شمروا عن سواعدهم للعـناية بالجرحى و إيـواء المتضررين و التـكـفـل بالصـبـيـان. و ماذا عن هذه التعـبئة النبيلة، من كل أطياف المجتمع الذي هـب قـلبا و ساعدا لتـقـديم كـل العـون، غداء و غطاء و لباسا.

 

كل هذا يُـثـلج الصدر، تقول الدكتورة. الدولة تلتزم بالبناء و جبر الضرر. و هذا لا شك فيه، لكن ماذا عن المعالم التاريخية، مثل مسجد تينميل الذى يعود للقرن الثاني عشر. هل ضاع للأبد ؟ ماذا عن ثـقـافـة محلـيـة، هي عمقـنا الروحي و الفكري؟ هي اليوم أطلالا و خرائبا ؟ الحرف و العادات و الطقوس و الأهازيج.. هل كل هذه الكنوز انمحت و تلاشت ؟ السند المادي نعم، لكن ما قيمته في غياب إعادة البناء الـنـفـسي و ترميم تصدعات الهوية؟

 


بين خديجة و اسماء 

هاتان الفتاتان، كلاهما البنت الشرعية لهذا الوطن. فبالله، أين يـتجلى الوطن ؟ هل في أقراط و مجوهرات و أساور و بريق أبهة و فخفخة ؟ هل في نظرة مـُـترفعة  تـُجاه هؤلاء العـُـراة، الذين يكدون عشرة أعوام ليكسبوا مقابل ما يُـشـتـرى في ثانية، سوارا في مـعـصم ؟ هل الوطن مُخـيـخ عصفورة تـزقـزق زهوا في قـفـص استيهاماتها ؟ هل الوطن قـلادة تـُــزيـِّـن بها  العـذارى صدورهن الضامئة للبصمات المختومة بتوقـيع الفارس الأوروبي الأشـقـر؟

 

أم ترى يكمن الوطن في رحم هذه الخديجة الحبلى بغد آخر؟ هذه المرأة التى نزلت من علياء جبال تهميشها، لتشق طريقها في أدغال مجتمع المنافسة. و إذا فـبعــزة الـمـرأة تـُحـقـق حلمها حفاظا على شعلة الكرامة في جوانحها ؟ لتصبح أستاذة نابغة. و ها هي من منبرها البريطاني، تذكرنا بجذورها التي هي جذورنا. ها هي تنبش الأنقاض لتذكرنا بـهويـتـنا العـميقة المهددة بالاندثار. ها هي تستعيد معنا هذا الحنين الراحل.. هذه الأمسيات العـبـقـة.  هذا الخبز الذي قد يُحضَّــر من جديد، يدفع غائلة الجوع حقا. لكن ما قـيـمته في غـياب مِلحه المـُـتلاشـي ؟ و هذا الزيت الأرغـانـي الـمـمـتـع حـقـا، لكن ما قـيـمته و لم يـعـد كـما كـان عـلـى مـر الـقـرون مـضـمـخا بـأنـفـاس الـخـُـزامى و مواويل هي مزيج شجو و فرح أمازيـغـي عـربـي ؟.

 

الكاتـب عـنـدما يـُـشاهــد  !

رأيت طفلا يمد أصابعه بين الجدران المتساقطة، يبحث عن يد أمه، أو يد أخته، و لكنه لا يـنـتـشل إلا يد دمـية مفـقـوءة العـيـنـين، مفصولة الأطراف.. يتأملها .. إنها ليست يــد أخته و لا يــد أمه. و لكنه كان يضمها إليه بقوة و يـبـكى كأنما تشبتا بلمسة  حنان لا يريدها أن تضمحل. و رأيت امرأة رائعة الخـُطى، تأخذ بـيـد الطـفـل، تــُـعانـقـه، ثم تهمس في أذنه : " حبيبي و فلذة كبدي ... أنا أخـتـك ... أنـا أمـك ... أنا بـيـتــك... ضع رأسك المتعـب على صدري... فـصـدري يـتـسع لـكـل أبـناء و بنات هـذا الـوطـن الـمنكـوب... !