Rechercher

dimanche 16 décembre 2012

القذافي بين طبل غسان شربل وكمنجة عبدو وازن

  تحت عنوان "القذافي الديكتاتور عبر رفاق خيمته " ألف غسان شربل رئيس تحرير صحيفة الحياة السعودية كتابا عن القذافي قدم له عبدو وازن الصحافي في نفس الصحيفة  في مقالة نقتطف منها هذه الكلمات  : 

"أما دمويته «الكانيبالية»، فبلغت أوَجَها في علاقته بالنسوة، اللواتي كان ينقضّ على بعضهن عضاً و«نتشاً»، وقد وقعت نسوة كثيرات كالفريسة بين أنيابه، وكان يغطي الفضيحة بالمال، إن أمكن. ولعل الفضيحة الكبرى  ، أن القذافي كان ثنائي الهوية الجنسية، شاذاً، وفي شذوذه نفسِه كان مزدوجاً، إيجاباً وسلبا...
لكنّ القذافي القاتل كان يهوى غسل يديه وساعديه بدم الغزال الذي كان يذبحه بنفسه، وكان يهوى أيضاً ذبح الخرفان في خيمته الشهيرة، التي كان يحملها معه في حله وترحاله، وكان يعدّها رمزاً إحيائياً للبداوة التي يحملها في دمه. لكنّ دمه لم يصفُ من الأثر اليهودي الذي ورثه عن أمه اليهودية الليبية، وكانت هذه الوراثة وصمة في حياته،
ولم تكن دعوته الى «الجماهيرية» إلاّ ضرباً سياسياً احتيالياً ولعبة سلطوية وتسلطية. ويشبه القذافي في قسوته ولارحمته وإجرامه وجنونه طغاة مثل ستالين وكيم جونغ إيل وفرانكو وتيتو وتشاوتشسكو (صديقه) وسواهم، وهو قارب النموذج الأفريقي الديكتاتوري، فكان دموياً مثل بوكاسا آكلِ لحوم البشر، أو مثل موبوتو آكلِ دماغ القرود...
  وهكذا ارتكب مجزرة بوسليم، قاضياً على ألف وأربعمئة سجين من الإخوان المسلمين دفعة واحدة، كما أعدم بوحشية في عام 1998 رفاقاً له حاولوا الانقلاب عليه. لم يكن القذافي يرحم أحداً، حتى أقاربه كان يقتلهم ويشنع بهم ويعلقهم على الأشجار أو يسحلهم على طريق باب العزيزية."



ونحن نقرأ هذه الترهات لا نلبت أن نواجه السؤال: لماذا لا يغمس الكاتب ريشته فى نهر السؤال والتقصى والقلق المعرفي؟ لماذا عوض ذلك يأبى إلا أن يغمس ريشته فى ذلك الجسد  المستنقع .. لذلك المقبور .. فيكتب هذه الكتابة  بهذه الأحرف التى تقطر قيحا  وصديدا  وزيفا ؟  



إننا هنا فى عز هذه الإيديولوجية المتسخة التى تريد ركوب الربيع العربي فى خدمة أباطرة الخليج الذين يريدون عالما عربيا جديدا لم يعد إلا ضيعة وعبيدا وحريما فى ملكية الأمير وتحت سوط الأمير وسيف الأمير ...
العار في خدمة الأمير
من ينكر أن القذافى كان مجرما وسفاحا وجلادا ؟ لكن أليس التركيز على هذا تضخيما وتهويلا .. وأقول أليست المبالغة المجهرية تستهدف تغليط الرأى العام  حتى يرى فى حكامه الحاليين ملائكة أطهار بعد هذا الشر الرجيم ؟ أو ليست المقاربة النزيهة تقتضى مقارعة الشهادات نقدا واستنطاقا وتقصيا ؟ أو ليست المقاربة المتبصرة لهي تلك التى تنتهى لهذه المرآة .. تمدنا بها فنري فيها صورة ذلك الجلاد  متماهية مع صورتنا أخذت ملامح الغنم تلتم جزمة الذابح .. لكن ما أن تعطي أحدنا فرصته بصولة وصولجان  حتى يتحول من نعجة إلى خنزير يفتك ويسلخ ويدس أنفه فى كل القاذورات ويرتكب كل الحقارات ؟

هذا الكتاب بمقاربته الساذجة . وهذه المقالة الإطرائية التبجيلية تريد أن تقنعنا أن القذافى كان دكتاتورا بغرائز من فولاذ وأنياب من حديد, وأنه كان على شاكلة الدكتاتوريين الطغاة الذين عرفتهم الإنسانية فى أحلك عهودها . وإذا فهو بالضبط  مثلهم أي : استتناءا فى الزمان والمكان.. وهذه كذبة بلقاء . فالقذافى لم يكن إلا طاغية عاديا أي بالضبط من صنف هؤلاء الطغاة الصغار الذين يحكموننا اليوم . إنه يقتسم معهم نفس الأنانية الصغيرة ونفس النزوات الصغيرة ونفس الشره الذى يلتهم الشجر والحجر ونفس الغرائز الرعناء التى تدفن دفنا من خولت له نفسه المجاهرة بكلمة  صدق أو المطالبة بحق .




القذافى لم ينبتق من عدم , إنه الإبن المخلص لهياكل فقرنا , وأقصد هذه الهياكل التى تملي هذه الكتابة الصحافية المتواطئة  ضمنيا مع الجلاد , رغم ادعائها العكس . هل نذكر هذه الكتابة وجنودها الاشاوس أن القذافي جاء ليضع حدا لملكية  وإن كانت أوهى من خيوط العنكبوت , فإنها كانت الممتل الشرعي لذلك الاستبداد  وتلك الهياكل .. وأنه يومها كان يحظى بما يشبه العبادة من شعبه , وأنه لم يكن يقسم إلا بذلك الشعب ؟ فكيف انزلق الرجل تحت تقل تلك الهياكل متخبطا فى وحل الاستبداد والتسلط قمعا وقتلا واحتقارا لإرادة الوطن ؟ كيف تحول الرجل من الإبن البار لشعبه إلى جلاد شعبه والسيف المسلط على رقاب أبناء أمته ؟



أو ليس الصحافي هنا هو ذلك الذي يستقصي باحتا منقبا معريا فاضحا مفككا هذه الهياكل ؟ بمكانزماتها بتحالفاتها بأسلافها بقبيلتها .. مرورا بقيودها وخناجرها ومناجلها ... أعترف أن الأمر ليس سهلا لأنه يقتضى التسلح بمعرفة سوسيولوجية وتاريخيىة فضلا عن نزاهة تفضى لهذا التساؤل عن أنجع الوسائل لتحطيم هذه الحلقة البغيضة هذه الحلقة الملعونة التى تعيد إنتاج نفس الأدوات ونفس السياط ونفس القيود . وإذا فالخلاص كل الخلاص يكمن فى مؤسسات ديمقراطية تضع حدا لهذه المنظومات بهذه التراتبيات وهذه الأمتيازات .. وهذه التعاليم البائدة التى تسبل على الفسوق رداء الطهارة ...


يقول الكاتب فى تواطؤ مكشوف مع هذه الهياكل , أن القذافى بعث رسالة للحسن الثاني يقول له فيها :’’ أنت رجعي وعميل ’’ . من الصعب تصديق هذا , ولكن الكاتب يروي هذه الخرافة لغرض واحد وهي التأكيد بين الأسطر على أن هناك حدا فاصلا بين الملوك والرعاع . وأن الأوائل ملائكة كرام والأواخر سم زؤام. إننا هنا فى عز هذه الإيديولوجية المتسخة التى تريد ركوب الربيع العربي فى خدمة أباطرة الخليج الذين يريدون عالما عربيا جديدا لم يعد إلا ضيعة وعبيدا وحريما فى ملكية الأمير وتحت سوط الأمير وسيف الأمير ...


هناك سؤال: ماذا يعنيه الكاتب قولا  أن أم العقيد يهودية ؟ وأن موبوتو كان يأكل أدمغة القردة .. وأن بوكاسا كان يلتهم لحم البشر..؟ أو لسنا نحن هنا في عز الوعي المتخلف الذى ينضح بالخلفيات القدحية العنصرية .. أي تلك التي تتردى درجات أسفل لتشتم إنسانية الإنسان ؟



سؤالي الأخير فى هذا السيل اللامتوقف من غصص الأسئلة  : كيف لرجل يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة لها حضورها الإعلامي أن يسمح لنفسه بترويج هذه الترهات  الرخيصة خدمة لأغراض الإثارة التسويقية  والإيديولوجية المقيتة ؟ تم أين كان مختبئا  هذا الفارس المغوار يوم كان القذافي وكل القذاذفة يصولون  .. ويجولون .. ولا يزالون ..؟ أليس كل هذا دليلا على الانحطاط الإعلامي  فى دنيا العربان .. عاربة كانت أم مستعربة أم غاربة ؟
الدكتور احمد بن بنور