Rechercher

vendredi 29 octobre 2021

الدكـتورة نـبـيـلة منـيـب خارج الـقُـبة والـقْـباب


بلغنى أن الدكتورة نـبـيـلة منـيـب مُـنعت من دخول البرلمان. و في اللحظة و التو تـشتعـل الأسئلة، كيف تمنع ممثلة للأمة من ولوج بيت الأمة ؟ أو ليس هذا إستخفافا بالأمة ؟ وجاءت الأجوبة عاصفة بحقائق موجعة. الحقيقة الأولى :  نـبـيـلة تمثل بجدارة هذه الأمة. لكن هل هذه الأمة تمثل نبيلة ؟ لعله لا يغيب عن أذهاننا أن هذه المرأة إسـتـتـناء فريد. كيف لا، وقد حـفـرت  مسيرتها المُـشـعة كزعـيمة سياسية مسموعة الكلمة ؟

لدكتورة نـبـيـلة منـيـب
نبيلة منيب ترفع شهادة التحدي امام البرلمان

وهنا السؤال الكبير : كيف تـتـقـبل هذه الأمة ثـقافـيا، إمرأة زعيمة  سياسية ؟ كيف تـتـقـبل هذه الأمة الممغـربة، إمرأة خطيـبة فصيحة ؟ كيف تـتـقـبل هذه الأمة المؤدلجة، إمرأة تـشُق عصا الطاعة ــ عفواــ تشق الصفوف سافرة بلا حجاب ولا برقع ولا نقاب؟ متى كانت هذه الأمة وهي المُكبلة  ترضى بإمرأة طليقة، وأكثر من هذا تحمل مشعل الكرامة ؟  أو ليس هذا المـشعـل إلا النار المقـدسة، تحرق أوهام هذه الأمة، وترهات الـتعالـيم الغابـرة ؟ أو ليست الزعامة في عُـرف هذه الأمة البائسة، حـكـرا على الـرجولة ذات الشلاغم المـفـتـولة ؟ أو ليست الزعامة فضاء فحوليا مقـدسا، فـكـيـف تُـدنـسه هـذه التي ليست إلا إمرأة ، لا منزلة لها في غياب الوصاية ؟

كيف بأمرأة زعيمة وآباؤنا كما أجدادنا عفا الله عنهم، وهم الجاتمون فوق صدورنا، منعونا من حُـب المرأة. فكيف يطيقون في مقابرهم وأوراقهم الصفراء، أن يروها زعيمة تـتقـدم الصفوف لتقول : "لا وألف لا، لن ولن نرضى بغيرالعزة بديلا". أو ليس هذا خطاب الفرسان الأشاوس؟  أو لـيـسُوا هم الذين كُـتـب عليهم  "الـقـتل والـقـتال وعلى الغانيات جَـرُّ الذيول". كما قال شاعرنا في معلـقـته تلك التي نُعلقها على صدورنا إعتزازا، ونحتفظ بها في مجالس لهونا، نابضة في خلايا أدمغـتـنـا ؟

كيف نرضى إذا بوجود هذه السيـدة والحالة هذه في بيت الأمة؟ كيف وهي الاسـتـفـزاز ذاتـه؟ أو ليس كل شيء فيها مُسـتـفـز، بدءا من إسمها نبيلة ! كيف؟ أو ليس الـنبـل كما الكرم صفة الرجولة بامـتـياز؟ أو ليس حكرا على الفحولة ؟

 

السلطة و الثروة عنوان الفقر و الاستبداد

إمرأة حبلى بغد آخر

أو لسنا في عز المعركة، معركة الرموز؟ معركة "التجسيد". فبالله، ألا يجسد هذا الإسم إندحار الرجولة ؟ ياللهول! ألا يجسد كل هذا إمرأة حبلى بأمة مستأنفة؟  تُـبـدع عقدا إجتماعيا مستنيرا و في نفس الوقت تُحيـي صلة الرحم مع أمة قال عنها الله جل جلاله "تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر" ! ؟

أو ليس كل هذا فوق طاقـتـنـا؟ و لأننا لا نملك من أمرنا رَشَدا، فقد استنجدنا بفـقـيه أوقـافـنا "الموفق" الخالد المخلد في منصبه بإذن الله و توفـيقه. و كانت فتواه صريحة واضحة تقول بفصيح العبارة : "إحذروا هذه المرأة فقد أخرجت أبونا آدم من الجنة. و إذا فاخرجوها اليوم من برلمانكم العتيد. إنها الخارجية، بمعنى المنتمية قلبا و قالبا للخوارج، إنها إثارة للخراب و مجلبة للفـتـنة النائمة. لعنة الله على من أيقضها! إستمعوا لخطابها التحريضى أمام زملائها في برلماننا، إنها تقول: يا معشر النائبات و النواب الأفاضل، على عاتقكم مسؤولية إنقاذ هذا الوطن و هي مسؤولية معنوية و أخلاقية. إنكم برلمانيات و برلمانيون ! فكيف ترضون أن لا تكونوا إلا بَـرْمائـيـات و بـرمائـيـيـن تجـيـدون السـباحة بـرا و بحـرا، و التسبـيـح حمدا سرا وجهرا".   

سعيدة المنبهي او الجرح اللا ملتئم في الذاكرة الوطنية

لا لملكية برمائية،  نعم لملكية برلمانية

لعل الأحقاد التي تفجرها هذه المرأة خلفها، تعود لكونها تمثل مع رفاقها و رفيقاتها الإخلاص لروح اليسار. ذلك اليسار الشريفِ يسار المهدي، و عمر، و إبراهام، و سعيدة ، و عبد اللطيف زروال وأحمد بنجلون. ذلك اليسار الذي لم يفكر يوما بعقلية إنقلابية ، و لا عقلية إنبطاحية ، و لكن بعقلية توعـية إنسية تعانق هموم الإنسان، و تشيد صرح الإنسان خارج أقـواس الـنصر الكارطونـيـة. 

كذلك هذه السيدة، إنها تواصل نفس المسيرة. و كم كان المخزن يحلم أن يراها تحلم بعقلية تآمُـرية، حتى تعطيه عذرا لسحقها و سحق رفيقاتها و رفاقها. بل و كم كان يحلم أن يراها تفكر بعقلية إنبطاحية. فلو فعلت، لكان ينصبها عروسا حمراء، و ينصب نفسه عريسا أخضرا بزغاريد و فنطازيات، فراقـش خيولها مغموسة في ماء الذهب وعيون الصبايا.

كلا، هذه السيدة تناضل و يدها على الدستور، و في الوقت الذي تقول فيه نعم ل"ملكية برلمانية"، يبدو صوتها نشازا وسط أجواق الكمنجات و الغيطات و الزمارات التي تولول صارخة : "لا نريد بغيرملكية برمائية بديلا، يدين بـَــُّرها بالطاعة العمياء، و بحرها بالولاء الأعمى لسدرة المنتهى".

كأني بالمخزن لا يتعظ، فكيف لا تنتهي كل حساباته تخبطا في أودية العدم ! و كدليل على هذا، في الوقت الذي كان يمنع نائبتان دخول البرلمان، كان يقوض من الأساس كل ما إدعاه  من "حقوق المرأة" و"حقوق المواطنة" و "دولة الحق والقانون". كل هذا تجلى عـُـش عنكبوت. و البرلمان تبدى خاويا، حتى لكأني به لم يعد إلا أطلالا، والبرلمانيون والبرلمانيات ــ اللهم إلا بعض النساء والرجال الأشراف ــ بدوا في أغلبهم مجرد كراكيز يحركها ساحرمن خلف ستار !

 


التنديد بمصاصي الدم و العرق     

خطورة نبيلة تكمن في كونها تتموقع خارج اللعبة، و تطرح قواعد لعبة أخرى، قوامها الشفافية و العدالة الاجتماعية و الصحة و حرية التعبير. أي كل هذه المبادئ التى ليست إلا شعارات مبتذلة في خطاب اليمين، و شعارات مبهدلة في خطاب اليسار المتواطئ، و آيات مُحكمات مُداسات في خطاب البوجادية الحربائيـة. لكنها على لسان نبيلة و رفاقها و رفيـقاتـها شرارات تضيء  الدروب حيث تُـكـبل السواعد و تُـسحق الإرادات. فهل محكوم علينا باجتياز الـقـفـار الـموحشة حيث غربان الشؤم تملأ الدنيا نعـيقا و إن لا فـنهـيقـا؟    

متى كانت أمتنا البائسة تغــفـر لإمرأة هذا الساعد رقـة، هذا الغيض الساخط تفاؤلا باسما، هذه الشخصية الفاتـنة رفـعـة و أنـفـة ؟ كيف تغـفـر لإمرأة إمتلاك فصاحة اللغة، عربية وأعجمية، كيف تغفر لإمرأة تجذب بسطوة النزاهة و عفة الجرأة، ناصية الأمة لـتحفـرعلى جبـيـنها : "الحق في الكلمة، الحق في الحق، الحق في الحرف، الحق في الـقـسطاس، و أخيرا الحق في فواكـه العـرق، تـنديـدا بـمصاصي الدم و العـرق".

                                                          الدكتور أحمد بن بنور