إنها حكاية امرأة تـَـوجَّعـت
فأنجـبت يأسا و بؤسا. وهذا ما تقوله :
"ما حدث و يحدث في مستقبل الأيام في القدس و الشرق الأوسط، يذكرني بالشاعر الكبير محمود درويش الذي كتب أشعارا عن المقاومة والصمود والتحرير و خبز أمي و قهوة أمي فجمع ملايين الدولارات من هذه الكتب اشترى بها بيتا في لندن و بيتا أخر في أمريكا و صرف الباقي على حبيبته الإسرائيلية هناك. و توفي في أمريكا بعد أن عاش على الكافيار و الويسكي و ليس على خبز أمه(..... ) كان يـبـيع شعـارات و يسترزق منها".
امرأة تنحني و تنحني، حتى لكأني بها تــُـقـوِّس ظهـرها أمام صاحب البحار و مالك الأسرار |
أعتذر للقراء الكرام و أنا أسرد هذه القذارات. و أقسم لكم و بأغلظ الأيمان أني لم أدس يدي في صندوق قمامة ما، لأستخرج هذه الفساءات. كلا، هذا الهراء سَـرَى في مواقـع التواصل الاجتماعي سـريان مياه المجاري في مسيل فـُـرات. و أكثر من هذا، فهو من توقيع امرأة تقول أنها الدكتورة جنات هـدى. و تقول إنها كاتبة سابقا في صحيفة الغارديان البريطانية. و، و، و،... إلخ
سنكون مخطئين كل الخطأ لو تعاملنا مع هذا الخطاب بهزة كتف اللامبالاة. كلا، و ألف كلا، إنه الخطاب الأكـثـر فأكـثـر حضورا. إنه يعـبر عن ثـقـافـة خيانـيـة، إنبطاحية، أمية، تـنكرية، تعمل في خدمة مشاريع مشبوهة. تستهدف ضرب تـقـديـرنا الـذاتي، سبـيلا لنسف مقـوماتـنا كأمة عريقة. و مع هذا عـزتـنا كحضارة مشرقة و أصالـتـنا كـتاريخ حافـل، و مجدنا كرسالة خالدة.
خطاب يعـبر عن ثـقـافـة خيانـيـة، إنبطاحية، أمية، تـنكرية |
تـُـرهات الخطاب التركيعي
تتحدث هذه السيدة عن تاريخنا الذي لم يكن إلا سفك دماء و قتل و إرهاب و جرائم و مجازر تشيب لها الولدان و هم في أحضان أمهاتهم. أو لسنا هنا في عز النظرة العنصرية الاستعمارية التي روجت و تروج لها الديماغوجيات التضليلية قولا، بأن الإنسان العربي هو في جوهره رفيـق للشر و حليف للـفوضى و الاستـبـداد؟ أو لسنا هنا أمام احتـقـار الأنا. استصغارا و تبـخيـسا للهـُوية ؟ و كل هذا في تواز مع تعـظـيم الآخر. ذاك الملاك الجميل، الذي جاء بسخاء و كرم، يعلمنا ما يعنيه الحرف، و ما تعنيه الحضارة، و المنافع التي نجني من دروسه التي لا تطمح إلا لإخراجنا من ليل الهمجية البهيم ؟
لكن، ماذا لو سألنا هذه المرأة بغـصة في الحلق : حدثينا سيدتي عن إسرائيل، منذ نشأتها ؟ هل كانت ملاكا رحيما أمام الشياطين العـُربان؟ أو لم تـنـف و تشرد و تـقـتل نساء و أطفالا و شيوخا بلا حسيب و لا رقيب ؟ و هذا الغـرب المحتـفى به. هل أذكر بمحاكم تـفـتـيشـه و مطارداته الساحرات و استعماره المقيت و نازيته الأمقت و فاشيته الأحقر؟ أو ليس كل هذا إلا بحرا أو بحار دماء أمام البحيرة العربية الراكدة ؟ أو ليست ويلات عـُرباننا إلا لعب عيال في وجه الملحمة الأكبر و القيامة الأعـظم إسرائيليا و أوروبيا؟.
«إسرائيل نلصق بها كل مالحقنا من دمار وأهوال الخراب »؟ هذا ما تقوله هذه السيدة. مستعيدة تلك الأسطوانة الحافية التي ما انـفـكـت الصهـيونية تُـشـنف بـها آذانـنا. لكن من يصدق هذه الخرافة ؟ دلوني رجاء على مخبول واحد يقول أننا مخبولون بسبب إسرائيل ؟ وإن كنا مخبولين فكيف لا نصدق أن الرجال العرب، عاجزين عن إرضاء نسائهم، لأن الـتـقـنـية الإسرائيلية أخْـصتهم، فسلبتهم فـُحـولتهم الواحد بعد الآخر في رمشة عـين. أي قبل أن يرتد إليهم طرْفـُهم، فإذا بهم و قد انقطع نسلهم. فأخذتهم الصاعقة، و لم يعودوا إلا عـربا غـاربة طـوتهم رمال جـهـالاتهـم ؟ ماذا يتبقى غير التـغـني بالـعـبـقـرية الإسرائيلية و الاستنجاذ بها. لعلها، و بما عرف عنها من أريحية، تهب لإنقاذ ما تبقى من شبه رجولة، قيل كانت رجولتنا. و ما تبقى من شبه حضارة قيل كانت حضارتنا.
لكن أليست وقاحة الإجهاز على رموزنا، هو السبيل الأنجع لمحو عزتـنا ؟ إذا تم إسقاط النجوم من سمائنا، فبالله كيف نهتدي و نحن نخوض في هذه العـتمة ؟
ذات يوم قال شاعر مرهف : "المرأة مستقبل الرجل". أو ليس هذا يـتعلـق بامرأة مـشرقـة ؟ لكن ماذا عن امرأة تنحني و تنحني، حتى لكأني بها تــُـقـوِّس ظهـرها أمام صاحب البحار و مالك الأسرار؟ أو ليست هذه المرأة إلا رمزا مخجلا لهوان الرجل و انحطاط الرجل؟.
إسرائيل أو القط يُمسخ سبعا
إسرائيل العملاقة. ليست في حقيقة أمرها إلا نمرا من كارطون، و إلا فدلوني رجاء على حرب واحدة كسبتها إسرائيل ؟ و قد تقولون و ماذا عن حرب ٦٧ ؟ و أقول، ماذا لو تحلينا ببعض حصافة لنكتشف أن تلك الحرب لم تكن انتصارا لإسرائيل و لكنها كانت نصرا لمصر التي واجهت يومها الغرب. كل الغرب، بآلياته و راجماته و طائرات الميراج و الفونتوم و كل ما جادت به ساعتها، أمخاخ الحقد و الدمار. أو لم تكن مصر يومها خارجة للتو من ويلات الانتداب. بل، و العالم العربي بأكمله خارجا لتوه من ليل الاستعمار الحالك ؟ يا للمهزلة، عندما نقول عبدالناصر المهزوم. و حتى لو فرضنا أنه كذلك. فمتى كان المهزوم مهزوما و هو يخوض المعركة ؟ أو ليس المهزوم الحق هو ذاك الذي لا يخوض حربا. و إن خاضها فبالـنـيابـة أوبـتحريـك الخـيوط من خـلـف ستار؟
نعم، إسرائيل لم تخض أي حرب لتربحها. و ما أكثر ما خرجت من حروبها و أذناب جنودها بين سيـقـانهـم. نعم، كل هذا فيه نظر. لكن من ينكر اليوم أن أكبر و أخطر حرب خاضتها إسرائيل، و حققت فيها نصرا مؤزرا، لا أحد ينكره، لأنه يـفـقـأ العـُـيون، إنه الانتصار الذى نصفق له بأيادينا ومجامع قلوبنا، إنه الانتصار الباهر ضد صورتها، ضد هيبتها. إسرائيل سعت دهرا بأكمله و بفضل كل البهارات الإعلامية، أن تـُـقـنع من هب ودب أنها "الديمقراطية الوحيدة في صحراء العروبة". و كان ذلك غشاء بكارة من حديد و فولاد. و ها هو الغشاء اليوم، مجرد أسمال مبعثرة بين المُسـتـنقـعـات الفاشية و العنصرية الأبارتايدية و الاستيطانية. حد أن إسرائيل اليوم، هي المتحف الذي يأوي كل الديناصوريات المنقرضة تحت وطأة التطور الحضاري و الوعي الديمقراطي.
نعم للتـطـبـيع ... لكن
نعم، أصرخ بكل قواي ضدا على كل الحسابات الخاويـة. نعم، للتطبيع مع إسرائيل. لكن، إسرائيل الديمقراطية. إسرائيل الأخاء و المساواة. إسرائيل العزة اليهودية تعانق العزة العربية مسلمة مسيحية. هذه الإسرائيل هي التي أزور. لأعانق اليهود المغاربة أبناء جلدتي. و أعانق معهم اليهود المكتوون بذاكرة أفران الغاز الحقيرة. و أعانق معهم اليهود الشجعان، الذين يناضلون صبحا وعـشيا ضد نظام الفصل العنصري المقيت. و مع كل هؤلاء أعانق أشقائي الفلسطينيين. و أضع باقة ورد في تلك المقبرة الشاسعة التي تضم رفات الشهداء الأبرار.
لعلني يومها سأرقص الدبكة الفلسطينية مع الفلسطينين، وهم يضعون يدهم في يد أشقاءهم اليهود، محتفلين بتشييد وطن ديمقراطي حقا و صدقا، على أنقاض الأنانيات القومية و التوسع الاستيطاني المقيت.
أعلم يقينا أن كلامي هذا سيفجر قهقهة عالية. من سخرية و استهزاء و نعت بالطيبوبة الساذجة. لكن، بالله متى كانت المدينة الفاضلة إلا حلما طوباويا في مخيلة فيلسوف مجنون ؟ أو ليست هذه المدينة النبيلة هي التي نعيش إرهاصاتها و تجلياتها اليوم؟ نعم، إن الإيديولوجيات العنصرية والاستبدادية محكومة بالتفسخ و الانحلال. لذلك، فإن إسرائيل محكومة بنفض الصهيونية و معها موكبها البائس من أبارتايد واستيطان وأنانيات توراتية متحجرة. إنها بفعل قوة الحق الذي يعلو و لا يُـعـلـى عليه. و بفعل قوة القانون الذي عاما بعد أخر يستوي ملكا مبجلا على عرش الإنسانية . نعم، بفعل كل هذا إسرائيل محكومة بتجاوز أساطيرها البائدة و تـُـرهات أسلافها. الذين يقولون بالجنة كل الجنة حكرا لهم وحدهم. فهم شعب الله المختار. أما غيرهم فلهم الخلود أبد الآبدين في لهيب هذه الدنيا و نيران تلك الآخرة.
نعم، إسرائيل مدعوة لذلك. لكنها إن استكانت لشياطينها التوراتية و أناشيد خرافات هيكلها المقدس، فإن هذا يعنى الانتحار. أي، الضياع من جديد. لا في صحراء سيناء هذه المرة ولكن في صحراء الثلث الخالي .
إسرائيل
الديمقراطية. إسرائيل الأخاء و المساواة. إسرائيل العزة اليهودية تعانق العزة
العربية مسلمة مسيحية
هل أفـتـل حبل المشنقة ؟
في غياب هذا البعد الديمقراطي كيف أتصالح مع إسرائيل ؟ هل أتنكر لهويتي؟ هل تريدني هذه السيدة مهرجا أفـتـل الحبـل مـشنقـة لـتاريخي و حضارتي؟ بالله، ماذا يتبقى مني ؟ هل أتنكر لكل هؤلاء الشهداء الذين يصرخون بحقهم في وطن يأوي رفاتهم؟ هل أتـنكر لكل هذا الزيتون المجتث من تربته ؟ هل أتـنكـر لكـل هـذه الـدور و هـذه القـرى التي تم دكـُّـها صـفا صـفا عـلى رؤوس أصحابها؟
نعم، أتنكر لهويتي، لحضارتي و يُـسلخ جـلـدي مـن لحـْـمي ؟ أو ليس هذا ما تريده المؤسسة الصهيونية ؟ أو ليست تحلم أن تراني العربي العريان. العربي الممسوخ. العربي المداس؟ كلا، و ألف كلا، ما كنت ألعب هذه اللعبة. و لا تلك اللعبة الأخرى. تلك اللعبة القذرة التي تريدني إرهابيا، أسدد بندقية القذارة ليهود كل ذنبهم، أن حضهم العاتر ألقى برحالهم و ترحالهم هناك. كلا، و ألف كلا، إنها شتيمة لهويتي أن أصنع صنيع التمييز العنصري فألطخ يدي بالدم اليهودي البريئ
كلا، عوض هذا المنحى الإجرامي، سأرفع قبضتي عاليا متحديا هذا القدر البغيض، الذي أراد لخصمي هذا الهوان. و أراد لي هذا القهر و المنفى. نعم، و أنا أرفع يدي متحديا، سأمد يدي مصافحا رموز الأخوة الإنسانية الشريفة. تلك التي تعلم يـقـيـنا أن مستـقـبلها يكمن فـي ديمقراطية تـعـددية خارج الـشطحات الإيـديولوجية المتطرفة، إسلاموية كانت أم توراتية أم انجيلية
الدكتور أحمد بن بنور