أعترف اني ترددت طويلا قبل كتابة هذا
المقال، لكن ما الحيلة وهذه الصورة
تلاحقنى وهى الصورة الصادمة لشعورنا ، الصادمة لكبريائنا الوطنية،
أو بالأحرى لكبريائنا الديمقراطية، صورة رجل كأننا لانعرفه فهو جالس على
جانب من الطاولة، ويتحدث بيدين مرفوعتين، وببذلة آخر طراز، وكل هذا فى عز الصفحة
الأولى من صحيفة وطنية ، وقد نتساأل من يكون هذا الرجل ؟ هل هو بلاي بوي؟ أم فنان
موسيقى؟ أم نجم سينمائي؟
كلا، ليس هناك شيء من
هذا، إن الأمر يتعلق بالزعيم الإشتراكى خالد عليوة، وهو هنا لا ليحدثنا عن المسار
الديمقراطى لبلادنا، ولا عن محنة الإتحاد الإشتراكى، ولا عن الأزمة المالية التى
تعصف بالكون وانعكاساتها على بلادنا .. كلا ليس هناك شيء من هذا، إن سيادته هنا
فقط ليحدثنا عن القانون الذى أعطاه الحق فى امتلاك عقار قيمته تمس حافة المليار،
وكيف لا وهو المحصن بظهير ملكى .. كما يؤكد سيادته....
نعم هذه الصورة سوف تلاحقنا طويلا، لذلك
فلا غرو أن نرى تعدد ردود الأفعال التى أثارتها، لأن الخلفية الإستفزازية لا أقول
تفقأ العين، ولكنها تدوس ذلك الحلم الإشتراكى الكبير .. فلو تعلق الامر بتكنوقراطي،
ما كانت المسألة تفجر كل هذا الغيض، بل لو تعلق الأمر بإقطاعى يسلب أراض ويشرد
عائلات لكان ذلك عاديا ، إنه جزء من هذه
النفايات الكامنة فى أحشاء الظلام و التى تطفو على سطح التحولات التى يعيشها
مجتمعنا، وإذا فهي الممارسات التى تفرض على دولة الحق والقانون أن تظل
ساهرة، يقظة فى وجه الخزي ..
لكن عندما يتعلق الأمر بالأستاذ المذكور،
فإن المسألة تختلف، إنها تأخذ طابعا أخطر وأقبح. لماذا ؟ فى حالة اعتداء التكنوقراطى أو الإقطاعى
المذكورين فإن ذلك يجرى فى ظل مسلسل دمقرطة وإصلاح، وإذا فهذا التصرف مدعو للإنقراض،
فى حالة الأستاذ خالد عليوة فإن الأمر يختلف جذريا، لأنه المعبر عن المسلسل
المذكور، إنه أحد ممثليه ، وأحد صانعيه، هنا خطورة الأمر ..ولأوضح موقفى :
كلمة المسلسل أو الصيرورة الديمقراطية، التى نتبادلها حوارا ونقاشا، هى كلمة تجريدية، ولو بحثنا عن معناها الملموس لقلنا : إنها تعنى هؤلاء الرجال وهؤلاء النساء المنبثقون من تجربة النضال السياسي ،هؤلاء الذين شكلوا ويشكلون الطليعة فكرا وموقفا وممارسة، إنهم الأوصياء على العدالة، إنهم المنتمون للأحزاب الرائدة، وجمعيات المجتمع المدنى ، إنهم المبشرون بمجتمع ديمقراطى تقوم أسسه على أنقاض المجتمع الإستبدادى العشائرى
والأستاذ خالد عليوة ينتمى بجذارة لهذا
المجتمع .. من هنا خطورة الأمر. إن فعله يجسد الضربة الأقبح فى ظهر النخبة، إن فعله يعنى أن هذه النخبة لا يمكن إئتمانها
على خزائن الأمة، وأنها بدورها لا تختلف عن النخبة التقليدية السياسية التى تميزت
بخاصتي الجمع والمنع ..والصفع والقمع..
يقول سيادته فى تبجح يحسده عليه كبار منظرى
اقتصاد الريع : القانون أعطانى هذا الحق، وما قمت به لاغبار عليه ..النخبة
الديمقراطية تقول : القانون ليس بنودا بليدة مسطرة، ولكنه روح العدالة، وإذا تناقض
هذا مع تلك الروح وجب طرحه أمام الأمة فى اللحظة والتو حتى تغيره بما من شأنه
تعزيز مبادئ العزة والكرامة ..
نعم سيادتكم، إذا كان القانون حمارا فهل
نركبه مطية لأغراضنا فى الكسب والتعدي على الحرمات ؟ إذا كان القانون إقطاعيا فهل
نرتدى جبة الإقطاع فنستحوذ به على مانشاء
من أبقار وعقار ؟ إذا كان القانون ضبعا فهل نستضبع الناس ؟
أو ليست الملكية حقا مقدسا فكيف تنزع من
صاحبها هكذا وبجرة قلم لأنه يعيش ضائقة اقتصادية،
تم تنصب كل العصى فى وجه المزايدة العلنية وفى دواليب الإدارة ، حتى لا
يسترد صاحب الحق حقه المقدس فى ملكيته المقدسة ؟
سؤال : إذا كان صاحب العقار المذكور وهو
كولونيل ومع ذلك لم يسلم من هذه القرصنة فيحرم من عقاره، وصور عائلته، وحميميته وأثاث
بيته، فماذا عن مواطن أعزل ؟
إذا كان هذا الذى قام بهذا مناضل وزعيم
إشتراكى ينتمى بجذارة للنخبة الديمقراطية ، فماذا ننتظر من إداري تكنوقراطى لم
يتهجأ ولا يوما ماتعنيه المبادئ الديمقراطية ولا المبادئ التى تقوم عليها دولة
الحق والعدالة ؟
نعم
..إننا نشعر بالأسى أمام هذه الممارسات التى تنتمى لعهد نريده أن يرحل،
نريده أن يلملم تجبره وطغيانه وشططه ويختفى عن أنظارنا بلا رجعة ....نعم نريده أن
يرحل ململما أسمال أنانيته.. نريده أن يرحل وأن تدخل سحنته الشرهة أنفاق التاريخ ،
بجوار الأشباح التى سحقت براعم النور فى
أيادينا ومعها أصابعنا .