إنه البطل الصامد بقوة المدافع، بقوة المناجل. الجميع فاتهم القطار وإذا فليدوسهم القطار بلا رحمة جزاء وقاحتهم، جزاء تطاولهم على السدة العالية بالله
إنه الصامد كالجبل، لا يهزه ريح، ولا عاصفة. كيف؟ وهو صانع العواصف والرياح، صانع الثورة ضد أدعياء الثورة، صانع الوطن ووحدة الوطن، يقول أحدهم : "لكنها العاصفة الحبلى بالوباء. وباء الحرب الأهلية و العشائرية المتفسخة. باختصار وباء الويلات التى ينجبها الإستبداد المنتفخ عجرفة كلبية وأنانية مقيتة".
ويضيف الآخر: " وإذا، فما قيمة هذه الأجساد المتهاوية أوراق خريف ذابلة ؟ ما قيمة أنهار الدماء مادامت وحدها تجرف نفايات التمرد؟ ألم يقل أحد طغاة العرب أن التضحية بثلثي السكان جائز شرعا مادام ذلك ينقد الثلث الناجي. بمعنى الثلث الراكع الخنوع، الثلث الذي لم يتلوث بروح المطالبة بالحق فى تأكيد الذات والخروج من منزلة العبيد إلى منزلة الأسياد الكرام!!"
لكل هذا، فالزعيم العظيم صامد، لكن كم شحنة، كم طاقة قذارة تكفى، حتى يتسلح بكل هذا البرود فيجلس متربعا فوق هذه الربوة العالية من الجماجم البشرية؟.
إنه الصامد. فهو المخول له بحق شرعي، وإذا فباسم هذا الحق الشرعي يغرق البلاد فى الدم، إنه يدافع عن حق مقدس، أو ليس الزعيم الذى صنع البلاد ونفخ الروح فى العباد ؟ فكيف يمضى؟ وهل من زعيم في قامته يأخذ مكانه ؟ فكيف ينسحب ويترك هذه البلاد لقمة سائغة لحوت القرش الذي لا ينتظر إلا انسحابه ليطبق بأنيابه عليها جغرافية وتاريخا ومستقبلا .
يقول أحد معارضيه : " طوال عقود وهو يحكم، وبلاده تغرق فى البؤس حتى إذا بلغت القلوب الحناجر، خرج الناس حضاريا وسلميا يعبرون عن حقهم في التغيير. ساعتها أطلق الزعيم زبانيته تم أخرج بنادقه وأخذ الكلمة ليقول: " إني أجسد الشرعية الوطنية " فما كان الناس إلا متسائلين : " أو ليست الشرعية كما الشريعة والمشرع كلهم في الشارع صارخين تم مقتولين فمجندلين ؟"
البلاد لا تستحق إلا ضربة مؤخرة...
لكن ماذا لو كان الزعيم على حق؟ ماذا لو كانت هياكل الاستبداد والقهر اختارته بعناية بالغة حتى يكون سفير الحلم الكبير درسا ورسالة، ألا يجسد كل الجراح الدامية في نفوسنا، والكدمات الزرقاء في أرواحنا ؟. ألم تتكاتف كل الإحباطات وتتقاطع كل المرارات فى صورته هذه؟ أو ليس هذا العناد البغلي ناحرا أمته ومنتحرا فوق جثتها إلا دورا مسرحيا يلعبه فى هذه الدراما الدامسة ؟
نعم ! لنتأمل صالح اليمن وذاك التشبث الأرعن بالسلطة، بتلك الحروق وتلك العمامة الملونة والتي تبدو متسخة، وتلك الجراحة التجميلية، والتي أعطت ذاك الوجه الحجري، بذلك القفاز الأبيض الذي يخفى يدين كأنما لتذكيرنا بأنه ليس لديه ما يبذله إلا البهدلة...
واليوم، هاهو بشار بنفس النظرة الزائغة، ونفس البلاغة المبتذلة، ونفس الأنانية القبلية الإجرامية... أو ليس كل هذا تمثيلية يلعب فيها ممتل موهوب دور الحاكم العربي . أو لسنا أمام الصورة الكاريكاتورية للحاكم المتسلط ؟ أو لسنا أمام شارلي شابلن في الفيلم الشهير" الدكتاتور", حيت نراه فى قاعة فسيحة، تم ممددا على سريره يمسك كرة كبيرة تم يضطجع بطنا ويطلق الكرة فوقه، حتى إذا عادت ساقطة عالجها بضربة مؤخرة وهكذا دواليك : الرسالة واضحة، الكرة قد تكون الكرة الأرضية بمجملها وقد تكون بلاده، المهم أنها لا تستحق أكثر من ضربة مؤخرة .
عندما تغيب حرية التعبير، وتكمم الأفواه، ويقتل الإبداع، فإننا نعدم الأعمال الفنية والمسرحيات الملهمة. لكن الطبيعة تكره الفراغ، لذلك فإن القدر يضطلع شخصيا بكتابة المسرحية والسيناريو والإخراج، ويستدعى الزعيم الأكبر ليلعب الدور البطولي مادام لا يقر بمنافس. والغريب أنه يلعب ذلك الدور بمهارة يحسدها عليه أقدر الفنانين.
مسرحية أبو الهول حاكما
لنتأمل الشخوص والديكور : القاعة فسيحة الكراسي وتيرة، الموائد منتصبة الزعيم يجلس في الوسط، والخدم كما الحشم كما الغلمان يتحركون بأقداح وأطباق، كما الأعوان يتحركون بملفات بعظها أخضر، والبعض الآخر أصفر، الزعيم يدخن، يشرب الويسكي، وفى الخارج هدير المظاهرات والانشقاقات وكل ذلك لا يهز شعرة فى قفا السبع الغضنفر، كل هذا الصراخ، كل هذا العويل، كل هذا النواح وهذه المآتم ليست إلا أزيز برغوث عابر فوق أذن ابوالهول..!
ينطفئ النور في هذا الجانب ويشتعل في الجانب الآخر من الخشبة حيت الحلبة. وتتركز الأضواء على حوار ساخن بين شابين :" ترى مالعمل أمام هذا المسخ الأناني الذي يقتلنا، هل نواصل السقوط كالذباب أمامه وهو غير عابئ ؟ ترى مالعمل
ماذا نملك ؟ "
ويجيب زميله: " ماذا نملك ؟ نملك الكثير أمام هذا السفاح الذي لا يملك إلا الرصاص، نعم نملك حقنا في الاحتجاج والتعبير عن سخطنا، فذلك وحده يضمن لنا حقنا في إنسانيتنا، حقنا في الحفاظ على شعلة الكرامة فينا، ساعتها لن نسقط أو نتساقط كما تقول كالذباب، كلا ساعتها سنسقط شهداء، وإذا فإننا نعبد طريق الحرية، نرسم طريق العزة، ساعتها نكون قد دخلنا طور كتابة التاريخ، ولتعلم صديقي وأخي أن حبر الشهداء لا يجف على
الضيم ...."
الضيم ...."
ويسدل الستار... وتشتعل الأضواء ويرفع الستار....
الدكتور أحمد بن بنور