Rechercher

mardi 17 novembre 2020

ترمب الفاشل، المهزوم : الماء والشطابة حتى لقاع الحبس

 

هناك قادة يحتفظ التاريخ بأسمائهم أحرفا من نورسُطرت للأبد على جبينه وجبيننا. إنهم أولئك الذين لا نخطئ عناوينهم، حيثما حلوا أو إرتحلوا، إلا و زرعوا بذور خير، تلهم الإنسانية سبل ارتقائها، وتحررها من نير القهر وقيود الفقر.

وهناك قادة والعياذ بالله، حيثما عبروا، تركوا خلفهم سيل دموع، وسيل أحزان، وليالي حِداد. و ترمب ينتمي بامتياز لهذه العـيـنة. أو لم يكد يدفئ مقعده في السلطة، حتى انطلق بعنجهية لا نظير لها، يزرع بذور الشر والكراهية والبغضاء، ومع هذا قسطا وفيرا من العنصرية، واحتقارذوات وذوي الألوان الأخرى، والأديـان الأخـرى، وأهل الحـق في الحقوق الأخرى.

 

le bolg d'Ahmed Ben Bannour

لو توقـفنا فقط في عالمنا العربي، لاكتشفناه يُـمول الحرب السعودية في اليمن. تلك الحرب التي نشرت الخراب والكوليرا والمجاعة. لاكتشفناه يوقف المساعدات الغذائية عن أطفال وأرامل غزة. لاكتشفناه يحول السفارة الأمريكية للقدس، حتى يسحق الحلم الفلسطيني في دولة تلك عاصمتها، الضامنة إستقلالها وحقها في تاريخها. لاكتشفناه  يسلخ الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان عن الوطن الأم، حتى يقدم كل ذلك هدية للمستوطنين وفلول الثوراتيين. لاكتشفناه أخيرا يدشن ماسمي بالـتطبـيع، حتى يغـرس ذلك الكيان في جغرافـية ما كانت جغرافيته، وتاريخ ما كان تاريـخه.

وأكثر من كل هذا، اكتشفناه يكن عداء لا مثيل له للإسلام والمسلمين، حد أن يصدر مرسوما يمنع هؤلاء من ولوج أو تلويث الأرض الأمريكية المطهرة. بل ورأينا أحد أقرب معاونيه، يقول بأن "الإسلام هو السرطان الذي ينخر الأوطان جمعاء". !!

 

نحيب الأمهات وصراخ الأطفال

اللائحة تطول، لكني أقف هنا حتى لا أسمع نحيب الأمهات، وصراخ الأطفال في الحدود المكسيكية، وقد حيل بينهم وأمهاتهم وآبائهم. وحتى لا أرى الويلات التي فجرها عنصرية مقيته، بين الأمريكيين أنفسهم، فهؤلاء أهل الجنس الأبيض الأرقى وهم الجديرون بكل اعتبار، وأولئك الجنس الملعون والمغضوب عليه، أي الجنس الأسود الأدنى وهوالجدير بالإقصاء تهميشا وقتلا.

وكيف لا أثير موضوع  السياسة الإجتماعية، والتي تلخصت في محو المكتسبات الأوبامية،  وتدشين الصحة كل الصحة لأهل الجاه، والمرض كل المرض لمحدودي الدخل والمعوزين، فالثروة كل الثروة للأغنياء، والفقر كل الفقر لذوي الخصاصة.

وعلى الدوام، وطوال ولايته المشؤومة، ظل هذا الرجل يتحرك بوقاحة قل نظيرها. وكيف لا، وجهله بالتاريخ بلغ حدا أن لا يرى في التاريخ إلا كومة رماد، ينفخها عبر الرياح الأربع، حتى يعمي كل العيون المتقدة بشعاع البصيرة. لا يرى في الجغرافية إلا حدودا يعصف بها كما يشاء، ويعيد رسمها كما تقتضيها لا أقول المصلحة الأمريكية. كلا، بل مصلحته الشخصية، ومصلحة عائلته المقربة، التي يريدها ضدا على كل المؤسسات، أن تكون وحدها الآمرة الناهية، المالكة لناصية السلطة والمال والأعمال. وأكثر من هذا، مالكة للديمقراطية التي تم ترويضها، حد أن أصبحت عبدة أسيرة تفعل ما به تـُؤمر وما يُملى عليها.

كان طوال ولايته البغيظة يعبر عن إحتقار لا حد له للمعطوبين، والنساء، والسود، والمسلمين، واللاتينو أمريكيين. وقد بلغ به جنون العظمة أن تطاول إحتقارا حتى على الجنود الأمريكيين، الذين سقطوا إبان الحرب العالمية الثانية فقال : " إنهم الفاشلون الخائبون"، مما يعنى أنهم لو كانوا عكس ذلك لكانوا اليوم أحياء، وخصوصا أغنياء يملكون السلطة والمال!. أو لسنا هنا في عز العبث العنجهي البغيض؟

                                                               

أشواك الهزيمة فى مضجع الأنانية

وقد كانت كلمة " الفاشل" هي التعبير المفضل عنده، ويمكن القول أن الحقل اللسني لهذه الكلمة يتجاوز دلالتها المباشرة، ليشير لكل هؤلاء الذين لم ينتصروا في المعركة الكبرى. معركة كسب الثروة وتكديس المال والجاه. فكل شيء يوزن بميزان الذهب الرنان، حد أنه ليس هناك من مجال للحديث عن حلال أو حرام، فكل الطرق تؤدي للبيت العتيد، بيت المعبود الأعظم: السيد الرب المال. وإذا كانت الأساليب اللا أخلاقية هي الأجدى، وإذا فلم لا؟ وأين المشكل ؟ أو ليست الغاية تبرر الوسيلة ؟

وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقر بهزيمته، ومتى كان الطاغية يقر بهزيمته، وهذه قد تكون لسان الحقيقة التي يكره؟ كيف يقر بهزيمته وهذه تعني تجرع مرارة الفشل، وهو الساخر دوما وأبدا من الفاشلين. إنه إذا يتمرغ غيضا واستنكارا في أقفاص أنانياته.

فهل يملك إلا أن يتنكر للهزيمة ونتائج الإنتخابات، إنه يجند أنصاره من أهل الجنس الأبيض الأرقى، وهو يعلم يقينا أن هذا قد يقود لحرب أهلية مدمرة. ولم لا، ما دام ذلك قد يفتح كوة أمل للاستمرار في هذا البيت الأبيض، حتى و إن تضرج دما فأصبح البيت الأحمر !

الآباء المؤسسون كما يسمونهم في أمريكا، كما الدستور، كما المؤسسات العريقة، كل هذه ليست إلا طواحين هواء، إنه ينقض عليها ليحيلها أشلاء، حتى يعيد بناء المجتمع الذي يستجيب لطموحاته، حيث لا حق في حرية التعبير، ولا صناديف اقتراع، ولا حق للنساء في أجسادهن، ولا حق للسود في حريتهم، ولا حق للمسلمين في كتابهم وصلواتهم.              

أو لسنا هنا في عز الاستبداد الشمولي؟ أو لسنا في مملكة محمد بن سلمان؟ ذلك الإبن الطيع المنبهر، ذلك الفارس المغوار، الذي استل سيفه البتار ليقطع به أوصال صحافي يحلم بسيادة الديمقراطية ! أي والله، هذه الديمقراطية الكافرة، التي تمارس الزنى، في وضح النهار، مع المحرومين والفاشلين والمداسين. وإذا فيا أيها المسلمون، تعالوا لكلمة سواء، وليتقدم كل بحجَـرته لرجم الفاجرة العاهرة.                                                                        

في غياب شمس الديمقراطية

الديمقراطية هي حقا حسب تشرشل النظام المتهافت، ولكنها الأحسن والأرقى مقارنة مع كل الأنظمة. ولكم نتساءل معا : يا الله هذا ترمب بهذه الطاقة الهائلة من الوقاحة، بهذه الملايير المكدسة في خزائنه، بهذه الترسانة الضخمة من أسلحته، ماذا كان بوسعه أن يفعل لو لم تكن هناك مؤسسات ديمقراطية تطيح به من عرش استيهاماته، من عنفوان جهالته. كم من معتقلات كان سيشيد ؟ كم من إرادات نبيلة كان سيسحق ؟ كم من نساء شريفات كان سيغـتصب ؟ كم من شعوب كان يحرمها من حقها في كرامتها وتنميتها ؟ كم من زعامات مفبركة كان يُطلقها سما في حلق الفجر الموعود ؟ كم وكم وكم....

كيف كنا سنكون، لولا شعلة التمرد هذه في جوانحنا ؟ في أي درك كنا نكون لو لم تكن هناك مؤسسات ديمقراطية. التي في نهاية المطاف، ليست إلا سدودا أخلاقية في وجه الطغاة، في وجه هذا الشره المنفلت من عقاله، حتى لكأنى به لا يشبع، ولو ابتلع البشر، والشجر، والحجر!

الديمقراطية، في نهاية المطاف، تكمن لُـبابتها في مكانزماتها، وهناك بالظبط ضعفها وقوتها. فقد تسمح للزعيم الديماغوجي باعتلاء عرش السلطة، ولكن الديمقراطية نفسها والتي تملك أدوات حصانتها، لا تلبث أن تلفظ هذا الجسم الديناصوري الغريب، واستئناف مسيرتها وقد اغـتـنـت بدرس جديد حتى تـتحصن أكثر.

لكن الديمقراطية الأمريكية لها خصوصيتها، إنها تعبير عن مسار وصيرورة تحيل لهذه الأمريكا التي حباها الله كل المزايا، كل الخيرات، كل الطاقات الدماغية عبر أرجاء المعمور، ترحل إليها خفافا وثقالا، لتصب ذهبا في خزائنها. فكيف وبأية معجزة تحول كل هذا سلاحا في قبضة حديدية، لطبقة سياسية تتناوب على السلطة، كأنما لغرض واحد، وضع الأمم وخيرات الأمم تحت الجزمة العسكرية !

كأني بترمب جاء في اللحظة المؤاتية، كأني به يملك فضيلة، وهو الرجل الذي لا فضيلة له. وأقصد فضيلة تعرية النظام برمته. لقد عرى كل هذا الشره، عرى كل هذه الاستعلائية اليمينية المتطرفة، بما تتضمنه من أحقاد عنصرية وابتزازية. لقد عرى كل شيء حد أن النظام لم يعد يملك ولا ورقة توت، يخصف بها على عريه. نعم، لقد عَـرَّى كل هذا ويمكن القول أنه خصوصا عـرَّى الانحراف اللاديمقراطي المهول.

فهل يملك بايدن أن يظبط عقارب الساعة على الفكرة الديمقراطية النبيلة ؟ وعلى مطامح المعذبين في الأرض، داخل أمريكا وخارجها ؟ ما أكبر شكوكنا، إن هذا الرجل مهما كانت نزاهته، فإنه سجين الشراك المنظوماتية، سجين الامتيازات الراسخة وقـد تجلت لوبيات متحكمة. لكنه يعلم يقينا أن الاستمرار في نفس السياسة السابقة انتحار... هنا المعادلة الصعبة الكسر.

 

أمريكا بين الأمس و اليوم و الغد

 من ينكر أن أمريكا تغيرت ديمغرافيا، تغيرت فكريا، تغيرت حساسية، تغيرت عرقيا. من ينكر أن أمريكا تعيش اليوم مخاضا عسيرا؟ أو لسنا نكتشف اليوم مندهشين أن الصورة التي نملكها عن المجتمع الأمريكي لهي صورة مهزوزة.. طوال الحملة الانتخابية الأمريكية والتي عشناها بأعصابنا ودمـنا، كانت القناة التلفزية السي آن آن رفـيقـتـنا الدائمة. لأنها ببساطة فرضت نفسها علينا فرضا، فكيف ذلك: ما أكبر الدهشة ونحن نتابع التغطية الإعلامية لهذه القناة. كنا مبهورين أمام رجال ونساء، إعلاميين متضلعين بامتياز، يملكون حس الموضوعية، وحس الحدس، ومع هذا عمق البصر، ونفاذ البصيرة. ومع هؤلاء كنا نرى ضيوفا، هم رجال ونساء فكر، ورجال و نساء سياسة، قد يختلفون كل الاختلاف، يختلفون رؤية ووظيفة، يختلفون عرقا ولونا، يختلفون فلسفة ومسارا، ولكنهم يلتقون جميعا في التحليل الأخصب والرؤية الأعمق...

وكان السؤال الكبير: أمريكا هذه، بهذه الطاقات المشتعلة فطنة، وحسا نقديا متألقا، كيف لهذه البلاد أن يحكمها رجل لا يملك رصيدا ثقافيا، ولا إلماما معرفيا؟ كيف لهذه البلاد بهذه النخبة النيرة، أن تسلم أعنتها لرجل لا يملك إلا رصيدا ماليا انتفخ حد الانفجار، ومعه رصيد وقاحة أضخم، ورصيد سوقـية أهول ؟

فهل مانعيشه اليوم لهو الانتفاضة الأمريكية المباركة ؟ تلك الأمريكا العظيمة التي نهيم بها غراما وافـتـتانا ؟  أمريكا آبراهام لنكولن، أمريكا مارتن لوتر كينغ، أمريكا شومسكي، أمريكا محمد علي، أمريكا إدوارد سعيد. هل هي أمريكا التي بما تملك من طاقات جبارة، وعقول نيرة، تتجند اليوم لتقول كفى خزيا، كفى تسلطا. ثم تمد يدا كريمة خـيِّـرة لهذه الإنـسـانية، التي من فرط ما مُـرِّغت في الوحل، لم تعد إلا أشلاء بين أنياب  مَصَّاصي الدماء.

قد يخزني أحدهم ويقول: استيقظ يا رجل إنك تحلم! وأقول: متى كانت المدينة الفاضلة إلا حلما في عاطفة مفكركبير، أو فيلسوف عظيم، أو شاعر ملهم، وأقصد هؤلاء المجانين الخارجين عن الصف، والمسكونين بهم العدالة والحرية ؟