Rechercher

samedi 24 décembre 2022

المونديال بين الشبيبة المغربية والحكومة الاخنوشية

أيُّـنا كان مُـنـتـصرا ؟ أينا كان مهزوما ؟ في هذه الحرب التي دارت رحاها لا في الدوحة، و لكن في قـلوبنا، في عـواطفنا، فـي أرواحنا.   

"علمناهم و دربناهم على اللعب الكروي و هاهم بدورهم يعلموننا معنى الأخلاق السامية"

أرفض هذا المنطق الفج، منطق الهزيمة و الانتصار بضربات أو ركلات ترجيحية ! كلا، الذي يهمني هنا، هو الانتصار الرمزي و السيكولوجي. و إذا فلنقل أن المغرب بشبـيـبـته هذه حقق نصرا مؤزرا، لا ضد إفـرنج أو إقـرنج ما، و لكن ضد شياطين الاستصغار الذاتي،  ضد بـؤس الـدُّونـيـة. الشبيبة المغربية إذ تخرج من ظلام التهميش، لتدخل عالم الأضواء، إنها تؤكد أنها لا تلعب، و لكنها تـُـشيـد شـخصية جديدة، خارج "العـصا لـمن عـصى" خارج " أنـت تـذبـح وانـا نــسلـخ".

أو ليس السرطان الخبيث الذي ينخر كياننا المغربي، لهو غياب التقدير الذاتي، مع القتل بسبق إصرارللـثـقـة بالـنفس ؟ أو لسنا إلا قصبا في مهب الريح حيت مالت الريح نميل؟ و أحيانا لا نـمـيل و كـفـى، و لكـنـنا نركع ارتـعاشا أمام أيـة قـوة، حتى و لـو عـلمـنا أنـها صلـفـة جـوفـاء.

إننا هنا في عز الشخصية المغربية، التي ليست إلا قديدة في مجمر التربية الاستبدادية. هذه التربية التي كلما صرخت " احشم واسكت" كلما جردت سوطها، و صفعاتها، منـتـشـيـة بعُـنفها و جَـبـروت جـُبـنـها ! المنتصر الحقيقي إذا، لهو الشباب المغربي المهان، الخارج بامتياز من ظلمات احتقار الهوية. إنه يفرك أعينه دهشة و استغرابا أمام طاقاته المدفونة و قد تـفـتـقـت، من يوقفه منذ اليوم ؟ الهياكل الرجعية الأنانية هي المهزومة حقا، ألم تقف هناك من شرفتها، تتطلع مرتعشة أمام هذه العزائم التي تـتـحدى القـيد و الـقـائد و المُـقـيِّـد. أو لم تكتشف أمام فيض الأناشيد التحريرية و الأعلام الفلسطينية أن اجتهادها و تطبيلها كما تزميرها لم يكن إلا لإخراج المارد من الـقـمـقـم ؟

أو ليس غياب أخنوش من المنصة يحمل أكثر من معنى؟ أو ليست هذه المحاولات البائسة  لإستقطاب و احتواء هذه البطولات الصاعدة إلا دليل " تعمار اشوارج" وغياب مشروع حضاري نهضوي؟ لنتصور السلطات المغربية و قد انقلب سحرها الساذج عليها. لقد أرادت أن تجعل من هذا العرس عرسها، بطعاريجها، وغيطاتها، وغياطيها، و فنطازياتها. و لكنها في خاتمة المطاف اكتشفت زئيرا يتردد عبر ملاعب الوطن، أناشيد سخط وغضب. إنه زئير الشخصية المداسة، إنه صهيل الخيول الجريحة، تصفع الفضاءات التشجيعية بزَبَـد غيضها. تطالب بحقها  في تشـيـيـد صرح ارتـقائـها.

 

"الكفاءات في المغرب لا حق لها في غياب التوصيات"

الفريق الفرنسي ونظيره المغربي

لنتوقف لحظة أمام الخصوصية التي طبعت الفريقين، الفريق الفرنسي، حيت لانجد إلا لاعِـبـيْـن أو ثلاثة بجذور فرنسية، أما الباقون فكلهم ذو جذور إفريقية متعددة، و إذا فهو الفريق التعددي الذي يحيل على ديمقراطية تـغـتـني بـتـنـوع إنساني كريم. ماذا عن الفريق المغربي ؟ إنه في مُجمله وإن كان ضارب العمق في هويته العربية أمازيغية إسلامية، فإنه نشأ وتربى وتلقى تكوينه في أوروبا. إن كل هذا يطرح إشكالية تستوقـف عالم الاجتماع  الذي يقف مشدوها. الفريق الفرنسي يحيل على أمة  تـُخصَب، تـُلـقـَّـح، حيت الكل ينصهر في هذه البوثـقة لـيقـدم عـطاءات تغـني المسـيـرة الـتـنـمـوية.

الفريق المغربي في مجمله تكـوَّن و وُلد وتعلم في أوروبا، فكيف نـُـفـسر ذلك ؟ هل الإنسان المغربي محكوم عليه أن لا يتألق إلا خارج الوطن؟ هل الأشواك في وطني حادة تدوس الأقدام فهي لا تسـيـر، تـمـزق الأصابـع فهـي لا تصافـح ، تـشـل الـسيـقان فـهـي لا تـقـفـزالحواجز؟

وليد الركراكي، مدرب الفريق المغربي، الذي حضي بميدالية أحسن مدرب في هذاالمونديال يقول بحسرة وأسى : "الكفاءات في المغرب لا حق لها في غياب التوصيات". و التوصيات هنا ليست شيئا آخر إلا التعليمات التي تـنـفي القانون والمؤسسات، و تفسح المجال للأعراف القمعية، والتقاليد المُكـبِّـلة، كل هذا مصحوبا بهذه "القاعدة" الشمطاء، التي كلما شاخت، كلما  شحدت مناجلها لحصد السنابل الـواعـدة.

فـبالله كـيـف لـنا بـنجـاح مـا والـحـالـة هـذه ؟

هنا القشة البغيضة التي قصمت و لا تزال، ظهر المغرب. تقول القشة، إذا أردت أن تكون مغربـيـا و مـتـألـقا عـليـك أن تـلـقي بجسدك مُـضغة لأسماك القرش لعله شبعانا يُـوفـِّـرك، و يسمح لك بالعبور نحو الجنة الموعودة. هناك فرصتك في التألق رغم العنصرية المقيتة. لكنها مهما كانت قذرة، فهي لا تـُـقارَن بالعنصرية في الوطن، عنصرية المال المُـتبجـح بـسـطـوة فـساده. عنصرية الحاكم يحتقر المحكوم. عنصرية الرجل يسحق المرأة. عنصرية البالغ لا يقيم وزنا للطفل. عنصرية الأفق مسدودا في وجه الإرادات النبيلة.

هؤلاء المشجعون هل كانوا يصفقون لشيء آخر إلا لهذه الإرادات ؟ فتيات و فتيان مشرقون جمالا وعزة. لقد الـتـقـيـتهم  في قطر و رأيت بأم عيني كيف يلتحم شباب المهجر بشباب الداخل، ليعبروا عن نفس الحلم. الحلم الديمقراطي، حلم عدالة إجتماعية و قضائية، حلم وطن كريم يفتح الأبواب أمام الكفاءات، و في ذلك فـلـيتـنافـس المـتنافـسون. 

أو ليس كل هذا تعبير عن التشبت بأخلاقيات الحداثة و قد تجاوبت مع أخلاقيات حاضرة إسلامية تشبعت بأنفة الدين الحنيف؟

ألم نر بعض الفرق الأروبية تشويشا على قطر ترفع شعارات المثلية. في ذات الوقت الذي كانت فيه أمهات اللاعبين المغاربة ينزلن لأرض الملعب في عناق و رقصة اهتزت لها قلوب الملايين. من ينكر ساعتها أن المونديال ارتقى لمرتبة الصراع الحضاري محسوما بانتصار القيم الإنسانية في أنبل معانيها. قِـيـم الرجولة الشامخة، قِـيـم الأمومة البادخة، قـيم صلة الـرَّحم ، لقد قال معلق فرنسي "علمناهم و دربناهم على اللعب الكروي و هاهم بدورهم يعلموننا معنى الأخلاق السامية".

كيف لا نرى إذا ردة فعل عنصرية مـقـيـتة من طرف اليمين العنصري المتطرف، وشرادم النازية ، ضد هذه القيم التى يجسدها الفريق الوطني المغربي ؟ هل كان ذلك عداء ضد المغرب كما تدعي بعض الأبواق الرسمية ؟ كلا و ألف كلا فالمغرب غائب عن الاهتمامات الجيوسياسية. هذا العداء المتفجر يعبر عن شيء آخر عميق الدلالة. هذا الفريق الوطني الذي فرض نفسه بجانب الكبار، و الذي انتصر في وجه أعرق البطولات. هذا الفريق بقيمه، مُسلم حقا في جذوره، و لكنه أوروبي المنشأ و الولادة، و إذا فهو يجسد الشباب المسلم الأوروبي. الشباب الصاعد الذي يـقـفـز الحواجز، محتلا أرقى المناصب، مُـغـيرا ملامح أوربا. كيف لا يصرخ أحدهم بغـيض دفـيـن : "من يقـنعـني أن رئيس الدولة الفرنسية لن يكون ذات يوم قريب مسلما عربـيا مغاربـيـا ؟".

العزة العربية التي في لحظة عابرة ارتقت كل السلالم نحو الثريا

 الأمير يخطف الأضواء

هذه اللقطة الأخيرة ستظل عالقة بأذهاننا. بعـزة أمـيرية رأينا أمير قطر يضع العباءة العربية على كتفي ميسي و هذا الأخير في قمة نشوته، يلبس العباءة، ثم يرفع يداه تحية. و كنا نتساءل أكان يُـحـيـي الأمير؟ أم الجماهير؟ أم ترى يُـحـيـي الشهامة العربية، و العزة العربية التي في لحظة عابرة ارتقت كل السلالم نحو الثريا ؟ و كنا نحلم فنقول : ماذا لو كانت هذه اللحظة أبدية حتى أفول الكون ؟

ياللـتعـاسـة. كان علينا الخروج من الحلم و العودة للكابوس. كابوس حكومتنا الموقـرة، و التي بسذاجة صبـيانـية، أرادت استغلال المونديال واستعماله خرقة تمسح بها ما تلطخت به من عجز و تخبط و تطبيع.

نعم، كانت الشبيبة المغربية كأنما ضدا على هذه الحكومة، ترفع العلم الفلسطيني، و تُغـنى الأناشيد الـتحررية. فهل كانت هذه الأناشيد و ذاك العلم إلا النبراس المضيء في دروب الـتـنـكر للقضية المقدسة ؟ هل كان العلم الفلسطيني إلا رمز الطموح المُجندَل، على معبد التواطؤ المُـبـيَّـت ؟  أو ليس خلف كل هذا تكمن هذه العاطفة النبيلة عاطفة غسل العار. عار القدس المذبوحة بخنجر التطـبـيـع ؟

وإذا فالخاسر الأكبر كانت إسرائيل، رغم كل مناوراتها و حملاتها التي استهدفت تشويه الصورة القطرية، حد المطالبة الخرقاء بمقاطعة المونديال. رغم كل ذلك، فقد تجرجرت إسرائيل و أنفها مرغم في الوحل، لتكـتـشف حجم الرفض، لا أقول في العالم العربي بل العالم الإسلامي. لقد اكتشفت أن توقيعات التطبيع هي منذ اليوم سُما في شرايـيـن المُـطـبـع. و أن الحُـكام عليهم استخلاص الدرس بعد هذا المونديال، فإما التناغم مع نبض قلوب شعوبهم، و إلا فهم الحرام كل الحرام وعليهم السلام.

في قطر المونديال، سقطت الأحلام الإسرائيلية في الاستيطان، في وضع اليد على الاقـتصاد و مـقـدرات الأمـة الـعربـيـة، فـي خـنـق مـسيـرتها التنموية، كل ذلك كان يـتـبـخـر أدراج الـرياح.

في إحدى المنعطفات القطرية، يستوقـفـنى صحافي إسرائيلي ليسألني  : "كيف تكرهوننا كل هذه الكراهية ، هل لأننا يهود ؟". و كان جوابي و على غير انتظار مني : "رجاء لا تـُـلوث مواقـفـنا بإيحاءات عنصرية خبيثة. إننا نعتبر اليهود أبناء عمومـتـنا، و لكننا نرفض الأبارتايد الإسرائيلي، نرفض احتلالكم البغيض لأرضنا المقدسة، نرفض تدنيسكم قدسنا الشريف وإثارة النعـرات الـقـبلـية في أوطاننا. هل تـنـتـظرون منا أن نعـشقـكم مع كل هذا الـقـتـل و الإرهاب، و الاحـتـقـار الذي تكنونه لكل عربي؟ كلا، إننا فخورون بعروبتنا مسلمين كنا أم مسيحـيـيـن. و إذا فلا، و لن نعطي الخد الأيمن بعد الخد الأيسر. كلا إننا نرد الصفعة صفعات، و الركلة ركلات، و حربنا معكم حرب حياة أو ممات".

الدرس الكبير الذي نستخلصه من المونديال، و هو القول بصوت أعلى من كل الأبواق التخديرية : الشبيبة المغربية هي منذ اليوم المعادلة المستحيلة الاحتواء، أو الكسر. هذه الشبيبة هي الأقوى، هي الأشرف. إنها تجعلنا نكتشف أنه و كما لا تنمية في غياب الديمقراطية، و لا استعادة للصحراء في غياب الديمقراطية، ولا من وطن عزيز في غياب الديمقراطية، كذلك لا شخصية مُـهابـة في غياب الديمقراطية.

 من ينكر أن غياب الديمقراطية وحضور الحكم المطلق، ليس شـيـئا آخر إلا الهوان كل الهوان، والذل كل الذل، فقرا وقهرا، ولـنـقـل ذلك سرا وجهرا.

 

الدكتور أحمد بن بنور