ماذا يتبقى من كاتب يـغـمـس ريـشته فـي العيون المـفـقـوءة. عـيون رُضَّـع تهشمت أطـرافهم تحت القصف الـوحشي ؟ ماذا يتبقى من كاتـب يـغـمس ريشته في دماء إمرأة مـزقـت أحـشاءها القـنـابـل و هـي في عــز الـمـخـاض ؟ ماذا يـتبقـى من كـاتب يـقـف على شُـرفـة استيهاماته، متطلعا لآليات الدمار تـُـطوق مسجده الأقصى. و يصرخ في الجنود بـسُعـار محـمـوم : " ويـحـكم يا أيها الأبطال، خربوا ذلك المسجد. تقدموا صفا صفا، و دُكوه دكا. فبه تحتمي أمـي و ذاكرتي. و هـناك يُـصلي أبي. خربوا كل ذلك على رؤوسهم. و اعـطـوني حـجارته الـمقدسة، لأصنع منها جـسر عـبور نحو الجائزة الأكـبـر؟ أو لـست رب الكلمة، و قائدها المُـظـفــر ؟
وداعا للكاتب الذي كان كبـيـرا |
رأيت جنرالا يـقـفـز فـوق ركام الـجُـتـت. جُـتـت الرجال و الصبيان و النساء و الشيوخ. ثم رأيته يضع جزمته فوق الجماجم و يصرخ ضاحكا : " ويحكم لا تـغـتـروا. إن هؤلاء ما كانوا ليكونوا بشرا. كلا، انهم مجرد عُــربان غاربة. إنهم مجرد حـُـتالات. إنهم ليسوا إلا حيوانات بشرية ". و رأيت الكاتب الأغـر يـنـط مُـصـفـقا : " دام لكم العـز والـمجـد يا مـولاي. نـعـم، هـذه ليست كائـنـات بـشرية. و لـكنها كـائـنات أدنـى شـأنـا مـن الـحيـوانـات. إنهـا بـلا ضمـير و لا أخلاق ! فوحدكم الأخلاق و وحدكم الضمير، دام لكم المجد كل المجد. فـتـقـدمـوا قـصفـا، و تـقــدمـوا نــسـفـا. و هـا نــحـن أمـة الـعـُـربان تـتـمـطى أمـامـكم ركـوعـا و زحـفـا
يقول الشاعـر العـظـيم محمود درويش: " عـلمـتـنـي ضربة الجلاد أن لا أساوم. علمـتـنـي ضربة الجلاد أن أقـاوم". نعم، هذا عن الجلاد. لكن، بالله ماذا عن ضربة الشقـيـق يا محمود؟ ها سـكيـنه القـذر فـي ظهـرك و ظـهـر الـقـضية و في أعـيـن أم، و فـي بــطـن صـبـي و صــبـيـة ؟
نعم، و ألف نعم، من حق الكاتب و قد اختار أن يصبح الـكـُـويـتـب أن يكتب ما يشاء. و أن يفعـل بـقـلمه ما يشاء. بل، و حتى أن يـشحذه ليجلس عليه مزهوا منتشيا بحرارته. لكن أن يـجـعـل من قـلمه قـادوس قذارات يتـقـيؤها عـلى وجـه أمـته، فـتلـك الخـسة في أعلى قـممها
الشاعـر العـظـيم محمود درويش |
القلم منتصبا أم القـلم زاحفا ؟
"منتصب القامة أمشي". هذا ما يقوله العـظـيـم درويش و لنا
أن نتساءل : ماذا يتبقى من قيمة الكاتب و قد اختار المشي زحفا أي خنوعا و ركوعا ؟ ها نحن ننظر اليه مشمئزين.
وها هم تجار الضمير يقهقهون ضاحكين : " هذه بضاعة لا قيمة لها. فمتى كنا نستأمن من يـبـيـع قضية أمته مـقـابـل جائـزة لا يـــسـتحــقـها. كــيــف نـُـصافــح يــدا تــغــمـد خــنـجــرهـا فــي أنـفـة شـرفـها ؟ ".
يقول كاتبنا فرحانا بِـنـعـْـيه " لقد ماتـت الـقـضـية الـفـلسطيـنـية على أيدي إرهابـيـي حـمـاس". يا لـلـذكـاء الباهـر. يـا لها من رؤية إستـشـرافـية، زرقـائـية، يمـامـية ! هل هو عُـمي البصر أم نـفـاذ حـيلـة الـبصـيـرة ؟
من يـنـكـر أن الـقـضية الـفـلسطيـنـية تعيش مخاضا جديدا و ولادة جديدة. وها هي اليوم على كل شـفـة و كـل لـسـان ! ها هـي تحـتـل كـل الساحات. هـا هـم الـشهـداء الأبـطـال. شـهـداء اليوم و الأمس. ها هـم يـتـقـدمـون. هـا هـم و كـما كـانـوا دوما و أبدا بنفس الملامح النبيلة، و نفس الأصابع، على نفس الزناد.
الكاتب العـظـيم غسان كنفاني |
ها هو غسان كنفاني يصرخ في وجـوهـنا : " ويـحـكـم كـيـف تـتحدثـون عـن وصيتي و عن عشائي الأخير. ويحكم متى كان لي عشاء أخير و أنا الحاضر دوما و أبدا في كل خندق ؟ كيف تتحدثون عن وصيتي؟ كيف، و متى كانت وصيتي إلا بـنـدقـيـتـي ؟
ها هي أشعار العـظـيم درويش تعـود بـقـوة. و ها هـو أحـمـده العـربـي لا " يـقـفـز عاليا كي يرى حـيـفا " و لكنه يـعانق حـيـفـا لـيجـدد عـقـده الـمـقـدس مع الأرض و التاريـخ و المستـقـبل.
كيف لكاتب كنا نكن له كل تقدير، يأتي بهذه السخافات لينشرها على العالمين؟ إني أبحت عن جواب، و لكن لا أجد غير سؤال يحيل على سؤال. و ها نحن في لجة الأسئلة. و ها نحن نبحت عن شاطئ الخلاص. خارج هذا البحر المتلاطم أمواجا لم تعد إلا جـُتـتـا فـوق جـُـتـت. و مساجد لم تعد إلا أنقاضا فوق مساجد. و كنائس خرائب فوق كنائس. و مستشفيات حطاما فوق مستشفيات .... يالله، هل هو الفناء ؟ هل هي القيامة ؟ كلا، إنه الخزي يمشي فخورا مختالا بإنجازاته الباهرة .
تعالوا نطالب بمؤتمر قمة يترأسه محمد و عيسى و موسى، حتى يصدروا بيانهم المقدس، مُـدبـَّـجـا باللعـنة كل اللعـنة على ممتهني كرامة الإنسان وعـزة الإنـسان |
مؤتمر محمد و عيسى و موسى
من قال محمدا كان نـبـي العـرب ؟ كلا، محمدا عليه أزكى الصلوات كان نبي الرحمة لكل المؤمنين.
من قال المسيح كان نبي النصارى ؟ كلا، عيسى عليه السلام كان نبي التسامح لكل المؤمنين.
من قال موسى كان نـبـيا للـيهـود ؟ كـلا، مـوسى عـليه السلام كان نـبـي الأخـاء لـكـل الـمؤمـنـيـن.
فكيف لا يـنفـخ الـنافـخ فـي الصـور : " يا أيها المؤمنون المسلمون، يا أيها المؤمنون المسيحيون، يا أيها المؤمنون اليهـود، تعالوا نطالب بمؤتمر قمة يترأسه محمد و عيسى و موسى، حتى يصدروا بيانهم المقدس، مُـدبـَّـجـا باللعـنة كل اللعـنة على ممتهني كرامة الإنسان وعـزة الإنـسان. أي كـرامة الـمـؤمـنــيـن وعــزة الـمـؤمـنـيـن ".