Rechercher

mercredi 22 février 2012

عبد الباري عطوان أو القلم منغازا في ظهر الكلمة

السيد عبد الباري عطوان،

مقالتي الأخيرة "عبد الناصر العائد أم نحن العائدون" صدمتك بنفسها الحارق، لا لخزعبلات  هذه الأنظمة الساقطة أو المترنحة، بل لحربائيات أشباه الإعلاميين، الذين تساقطت أوراق التوت عن زيفهم، تحت وقع الهدير المدوي لهذه الأمواج  الجماهيرية، مطالبة بحقها في إسقاط الأساطير المؤسسة للطغيان .. فكرا ودولة وإعلاما ...
مقالتي كانت صادمة لهؤلاء الذين، ديماغوجية وتعتيما، يريدون أن يضعوا القائد الخالد عبد الناصر في نفس السلة الطافحة دما، مع هؤلاء السفاحين القتلة : القذافى، بشار وصالح  وغيرهم  من الأنانيات المقيتة للحزب الواحد الأمقت .
نعم، مقالتي هذه صدمتك، فمارست عليها الرقابة. ولعلك بغيض مسعور مزقتها بغضب، نافخا شذراتها في سلة مهملاتك، هناك حيت تضع مشنقتك التي تلوي حبلها على الأعناق التي بصلف وقلة أدب تتجاوز إبداعك الأعظم، وتجليات بصيرتك الأسطع،  نارا ونورا  .
 ولعلي أتفهم جيدا حقك في الدفاع عن مربعك الصغير المهدد بالربيع العربي . وهذا ليس موضوع مقالتي هذه، بل موضوعها هو مقالتي السابقة، التي بعثتها لك في حينها فلم تنشرها إلا أياما بعد تجاوز صلاحيتها، وربما لك عذر ما، ولكن الذي لا يغتفر لك هو تصرفك الدنيء في هذه المقالة .

يكفى واحدة منها لتضيء عوالم العربان وتبشر بانحسار الطوفان
ماذا لو توقفنا عند العنوان فقط : " أيها السادة : القذافى ليس دمية " هذا العنوان تحول تحت مقصك إلى  :" أيها السادة القذافى لم يكن دمية " ولا أعتقد البتة أنك تجهل اللغة العربية ولا لغة السياسة، حتى لا تعلم أن الفرق هائل بين العنوانين، فالعنوان الذي وضعته أنا  يقول :  القذافى ليس دمية فنغرس فيها ما نشاء من خناجر، وندوسها كما نشاء بالأقدام، كما حدث انتهاكا لأبسط الحقوق مع ذلك العقيد اللا مأسوف عليه. أما العنوان الذي صنعته أنت فيقول : " القذافى لم يكن دمية" مما يعنى أن القذافى لم يكن صنيعة ولا أداة في يد قوة ما، خلال حكمه ...وهذا القول أنا بريء منه براءة الملائكة من استمناء الشياطين والعياذ بالله...

بالإضافة إلى هذا التشويه، هناك تشويهات أخرى لحقت النص حذفا هنا وإضافات إنشائية سخيفة هناك، ومع هذا إدغام فقرة في أخرى، مما أعطى في نهاية المطاف نصا مشوها مرتبكا. أي بالضبط كما أردت له أن يكون. ولم لا ؟ أو لست وحدك الأذكى، وحدك الصحافي الأخطر والعلامة الأشهر، الذي لو نزلت مقالة واحدة من مقالاته على جبل لتصدع شرارات، يكفى واحدة منها لتضيء عوالم العربان وتبشر بانحسار الطوفان ...

من فوضك هذه السلطة الاستبدادية المنحدرة من عهود القهر والفقر؟
وإذا فإني يا حضرة العلامة آخذ بخناقك سائلا مستنطقا: من أعطاك الحق في الاعتداء على صوتي واستعمال مقصك الصدئ في ذبح لساني؟ من فوضك هذه السلطة الاستبدادية المنحدرة من عهود القهر والفقر؟ من خولك الحق في تقييم رأيي أنا ؟ والتدخل في قناعتي أنا ؟ تنكيلا ودوسا وازدراء؟ أعرف جيدا أن ثقافتنا المتخلفة تحرم استعمال كلمة " أنا". أو لسنا نقول " أعوذ بالله من قولة أنا " ؟  لأن ثقافة القبيلة وثقافة البداوة، لا تقر بحق الفرد في الاختلاف، ولا في التعبير، ولا في الكلمة .. فبالأحرى تأكيد الذات ...
 قد يقول قائل وقد تقول، إن رد الفعل هذا مبالغ فيه، ولكني أجيب صارخا :  " كلا إني المواطن العربي المنبثق من هياكل القهر والمنتفض فى وجه هذه الوصايات السياسية والإعلامية. هذه الوصايات العشائرية ، التي تتغذى من خنوعنا .. وصمتنا .. ورضائنا بهذا التحكم فى مصائرنا وما تضمره أفئدتنا...
كلا رد فعلى هذا ليس مبالغا فيه، ولكنه انتفاضتنا ضد الصروح الورقية، والأهرامات الكارطونية ، التي أفرزتها هياكل قهرنا وعبوديتنا ووقفنا أمامها راكعين جاثيين، حاسروا الرؤوس حافيوا الأقدام .

العديد من رؤساء التحرير ومدراء التحرير ليسوا إلا تلاميذ نجباء لصدام والقذافى وبشار
إني أعلم أن العديد من رؤساء التحرير ومدراء التحرير ليسوا إلا تلاميذ نجباء لصدام والقذافى وبشار،هؤلاء الذين وإن اندثروا ، فإن تلامذتهم يواصلون معركتهم المقدسة ، معركة خنق العقول ماداموا لا يملكون سلطة نصب المشانق لسل الأرواح .
من هنا انتفاضة الغضب الديمقراطي ، الغضب الحداثي، ضد هذا المسخ الإعلامي العتيق ، الذي يريد أن يجعل من قلمه منغازا في ظهر الكلمة .. فهل نملك إلا الصراخ عاليا  : " كلا وألف كلا أيها المسخ .. إن البردعة التي تعتليها والمرقعة باستيهاماتك الدونكشوطية هي اليوم محط سخرية .. كيف لا والقبضات المضرجة تطرق أبواب الديمقراطية.. وأبواب الحق في الكلمة ...." ؟    
الدكتور أحمد بن بنور

jeudi 16 février 2012

جمال عبد الناصر ساخرا من الأقزام يطعنون كعب العملاق

                

قامت شرذمة من غوغاء المتطرفين الإسلامويين  بتحطيم النصب التذكاري للقائد الخالد جمال عبد الناصر بمدينة بنغازي، شرارة الثورة الليبية المظفرة . ولعله من غريب الصدف ، أن يتزامن هذا الفعل الحقير مع يقظة  بعض الأقلام من غفوتها ، لتشتم  جمال عبد الناصر، لتردد جهلا أو سذاجة أو عمالة أنه الوجه الآخر للقذافي وبشار وصالح ... وغيرهم من سفاحي الأمة ! وهنا السؤال : ماهي الخلفيات الكامنة خلف هذه الحملة المسعورة ضد أحد أشرف الرموز في تاريخنا وذاكرتنا ؟
جمال عبد الناصر يعود لساحة التحرير. بل لكل ساحات التحرير العربية، يعود ليذكرنا بضرورة أن نرفع رؤوسنا عاليا

السبب يكمن في هذه الحقيقة الدامغة، حقيقة أن جمال عبد الناصر يعود لساحة التحرير. بل لكل ساحات التحرير العربية، يعود ليذكرنا بضرورة أن نرفع رؤوسنا عاليا..
لكن كيف نقول عبد الناصر يعود؟ فمتى كان غائبا ؟ ماذا لو كنا نحن العائدون ؟ نحن الذين استسلمنا لأناشيد الزيف. نحن الذين انطلت علينا البهرجات البهلوانية ؟ نحن الذين صدقنا مزامير الغرب ومهرجيه .
نحن الذين صدقنا دعايات الأنانيات الصغيرة المتبجحة , كلا عبد الناصر لا يعود، إنه جزء من روح الانتفاضة الساكنة فينا .. إنه  لم يضرب موعدا حتى يعود ! فكيف ؟ وهو نفسه الوعد والموعد.. !؟
دلوني على أحد جلادي الأمة لم يمت يوم موته ! دلوني على قائد عانق أحلام أمته فلم يمت إلا لكي تكتب له حياة أخرى: ذكرى خلود وأنشودة إلهام ؟

                 طوال أربعين عاما والآلية الإعلامية  الساداتية والمباركية تحاول دفن عبد الناصر وإسدال ستار من النسيان عليه، لأن إسمه حاضر بقوة كرمز للعزة الوطنية. لأنه يذكر بأن مصر أم الدنيا، وحكام مصر يريدون لمصر أن تكون خادمة في القصر الأمريكي الإسرائيلي. لأنه يذكر بأن الاستقلال الوطني يمر عبر العدالة الاجتماعية, وهؤلاء الحكام يرون في الفساد  ضمانة خلود في السلطة, وتوريث للسلطة, ومع هذا تكديس الملايير في صناديقهم .
لذلك أجهزوا على كل شيء في إنجازات القائد، فإذا كان بقامته الفارعة يتماهى مع السد العالي، فإن هذا الإنجاز الذي حفظ ثروة مصر، لم يصبح في دعايتهم وتدليسهم إلا نكبة اقتصادية دمرت الاقتصاد الوطني.
لكن المستحيل قتل روح الأمة، والإجهاز على ذاكرة الأمة. لذلك فروح الأمة كما ذاكرة الأمة ضلت بلسان أشراف الأمة تصرخ : " أتحداكم أن تجدوا قائدا كما عبد الناصر، ذاب في وجدان أمته ، حتى يلهم أمته ، أتحداكم أن تجدوا قائدا كما عبد الناصر نذر نفسه عنفوانا وتوقا لتحرير أمته، أتحداكم أن تجدوا قائدا كما عبد الناصر عفيفا نزيها لم تغوه ثروة ، ولم يمد يده لمال بل نظر لكل ذلك نظرة ازدراء
 المال...! هذا هو الامتحان العسير، هذا هو القشة التي قصمت ظهور الأبعرة . الحاكم المتعفف، الحاكم النزيه، الحاكم النظيف يدا، هذا الحاكم وحده يستحق أن ننحني إجلالا لهيبته، عكس الحاكم الذي يمد يده لقوت أمته، حتى يسطو عليه جواهرا  وأرصدة يضعها تحت جنح الظلام في صناديقه وفى خزائن أعداء أمته.   
           نعم عبد الناصر كان أكبر وأنبل من هذا المسخ.  لذلك فإن منتقديه يتعرضون لموضوع آخر مذكرين : "عبد الناصر أرتكب أخطاء هائلة" هذا صحيح , لكن  شتان بين الخطأ نرتكبه عن حسن نية،  والخطأ نرتكبه في خدمة أنانية صغيرة وجريا وراء مجد شخصي .!
           نعم هذا صحيح . أكبر أخطاء عبد الناصر أنه لم يؤسس لدولة بمؤسسات ديمقراطية تعددية, نعم ذاك كان الخطأ القاتل, لكن نزاهة هل كنا فى الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي نرفع شعارا آخر غير شعار الإشتراكية والحزب الواحد؟ ألم يكن أشراف الأمة وأنبل الرجال ، بدءا من المهدئ بن بركة فى المغرب، وانتهاء بشي غيفارا في كوبا، يرون فى الديمقراطية التعددية شيئا آخر غير ملهاة، غرضها إعادة فلول الإقطاع والبورجوازية المتفسخة إلى السلطة، للإجهاز على مكتسبات الثورة المنتصرة ؟ هل معارضوا عبد الناصر ساعتها كانوا يطمحون لشيء آخر غير نظام استئصالي راديكالي ؟ بمعنى دولة الخلافة، تحت حكم السيف والشريعة، كما يريدها ساعتها السيد قطب.! وإن لا فنظام بروليتاري ستالينى كما يريدها ساعتها الشيوعيون المصريون !؟
نعم عبد الناصر، وفى عز انتصارات حركات التحرر، لم يأخذ المسافة الكافية حتى يكتشف أن كل هذا هراء , وأن الحزب الواحد هو الشر الواحد, وأن هذا التوجه التوتالتارى هو الذي قاد للهزيمة , لكن ألم يتحمل القائد كل المسؤولية حد تقديم استقالته؟ ألم يتبع ذلك بإصلاح ونقد ذاتي عاصف, موازاة مع حرب الاستنزاف التي أفقدت العدو أعصابه؟ ألم يكن كل ذلك تمهيدا مشرقا لحرب أكتوبر المجيدة, التي غسلت وجه مصر عسكريا ؟ حتى وإن  تلطخ ذلك الوجه الكريم سياسيا بانبطاح ساداتي, سيفقد مصر كل أوراقها واضعا إياها بمجملها فى اليد الأمريكية الإسرائيلية
            لكن الهزيمة كانت الجرح الناصري الأكبر, لأنه كان الجرح المصري بامتياز, فلم يكن هناك ناصر ومصر!
               هنا البعد التراجيدي العميق. ذكروني رجاء بتلك ألأسطورة الإغريقية: أسطورة " إيكار" ذلك الفتى المشتعل طموحا وتوقا للطيران إنه يصنع لنفسه جناحان ويلصقهما على كتفيه بواسطة الشمع, تم ينطلق عبر السموات محاولا اكتشاف أسرارها, لكنه لا يكتفي بهذا, إنه يريد الوصول  للشمس  غير عابئ بالأخطار, وبالطبع تحت وهج شمس الحقيقة يذوب الشمع ويهوى البطل متلاشيا فى المحيط !
          هنا البعد الدرامي فى شخصية البطل .. هل كان عبد الناصر يفعل شيئا آخر غير تحطيم "قوانين الحتمية التاريخية "؟ ألم يكن يفتح كل الأبواب أمام مصر حتى أصبحت بحق وصدق كما هي أم الدنيا وقبلة التحرر؟ ألم يصبح الإنسان المصري مرفوع الرأس فخورا مهابا؟ فكيف السماح بكل هذا؟
           هل كان عبد الناصر يتجاوز المحظور؟ هل كان يقترب من الشمس  الحلم أكتر مما كان يجب ؟ هل كان يحطم كل الأغلال رغما عن" الآلهة " المتحكمة فى المصائر؟ هل كان بالضبط كما إيكار يحطم قوانين الجاذبية ارتقاء نحو مجد الأمة وتحرير الأمة ؟! فكيف ذلك فى محيط من العداء  وسيل جارف من المؤامرات؟!
          عبد الناصر لم يسقط ,  لم يبتلعه اليم ,  لم يتلاشى فى المحيط ,عبد الناصر واجه الهزيمة بروح الصدق, بوضع الأصبع على مكامن الجرح, وكان يعلمنا هذا الدرس العميق: " الأمم العظيمة لا تنهزم وهى تدافع عن حقها فى الارتقاء والتحرر" .
                   وكنا نكتشف بدورنا، أن الرجال العظام لا يموتون، كذلك عبد الناصر لم يمت, إنه المقيم بقوة في ديمقراطيتنا المحلوم بها في إشكالية تحررنا، حاضر لأنه الرمز الإنساني النبيل، الذي ارتقي بمصر وبالعرب إلى تلك اللحظة الخالدة، لحظة التفاعل العميق مع التاريخ النابض، هذه اللحظة التى تشتعل حنينا في وجداننا، والتي يسميها أشقاؤنا المصريون " الزمن الجميل " كأنما مقارنة مع الزمن القبيح، أي هذا المسخ الذي يتجند الشباب المصري والعربي لمحوه وتشييعه .. لا لمثواه ولكن لمحاكمته.
 
الدكتور أحمد بن بنور













samedi 11 février 2012

برنار لويس: الحبر الأعظم ينصحنا بالشورى

برنار لويس غني عن التعريف, أو ليس المرجع الاكاديمي بامتياز؟ أو ليس السلطة الفكرية التى تنحنى أمامها هامات مفكري الغرب وأساتذته خصوصا فى العالم الأنجلوسكسونى ؟ بالتأكيد برنار لويس فقد الكثير من إشعاعه, منذ المغامرة البوشية فى العراق , والتى كان أحد مهندسيها, ولكن تلك صفحة طويت, فالغرب يغفر بتسامح خلاق هذه الخطيئآت, مادام عالم العرب والإسلام حقل تجارب للعبقريات التى تشحذ خناجر إجتهادها فى عنق الخصم الحضاري اللعين. اللعين 

فى كتابه الاخير: " السلطة والإيمان . أسئلة حول الإسلام فى أوروبا والشرق الأوسط " يدافع مفكرنا الكبير, عن أطروحة, ما أن عبر عنها حتى تلقفتها أجهزة الإعلام الغربي فهي تقدم تفسيرا ضافيا لهذه الثورات العربية, وتقول الأطروحة أن الأنظمة الدكتاتورية التى تسود فى العالم العربي هي النتيجة المنطقية لمحاولة العرب تبني الحداثة الغربية !الغربية

هل يعنى هذا أن هذا الربيع العربي ليس إلا كمشة هباء؟ مادام يطمح لجنان الدمقرطة والحداثة ؟
خلف الأسلوب البريئ فى هذا التعبير, وفى كل هذا الكتاب, لا يملك القارئ اليقظ إلا تسجيل البعد الإيديولوجى الخبيث الكامن خلف هذه الطروحات البائسة التى لا تصمد أمام أبسط الأسئلة التاريخية, فى عرف الكاتب الحداثة هي نتاج غربي ومتى تم تبنيها فى عالم الإسلام تحولت من شجرة غناء بفواكهها الدانية القطوف إلى نبتة ضارة أو شجرة زقوم تعطى أمر الدكتاتوريات

ترى مالحل ؟ يتساأل مفكرنا الأمجد
يذكرنا الكاتب بهذه الواقعة التاريخية, التى كان شاهدا لها من خلال الوثائق الارشيفية العثمانية مجال تخصصه, ففى عهد الملك ليس الرابع عشر كانت المفاوضات بين الباب العالى والملك الشمس جارية, وكان هذا الأخير ومستشاريه لا ينفكون يشتكون من بطأ السلطات العثمانية فى اتخاذ القرار, مما حذا بالسفير الفرنسي بإسطمبول إلى توجيه تقرير وهو التقرير الذي ينفض عنه الغبار برنار لويس , وفيه يفسر الدبلوماسي الفرنسي لرؤسائه فى باريس كيف أن الأمور وتدبير شؤون الدولة فى إسطمبول يختلف جملة وتفصيلا عما هو عليه فى باريس, فإذا كان الملك الفرنسي سيد القرار يتخذه فى اللحظة والتو مشفوعا بالتنفيذ الآنى, فإن الأمر عكس هذا عند السلطات العثمانية, فالسلطان لا يتخذ قرارا ما إلا ووضعه قيد النقاش مع مختلف الشركاء , من كبار الأعيان وكبار ملاك الأراضى والبازار, ويسجل التقرير أن كل هذا يجرى وفق قانون الشورى الذى يعتبر الحجر الأساس فى سياسة الحكم الإسلامي
هكذا إذا وبقدرة قادر, وانطلاقا من هذه الواقعة التاريخية التى لانعرف حقا هل كانت القاعدة أم الإستتناء, تصبح الشورى مفهوما يملك قيمة مطلقة, إن المؤلف لا يكلف نفسه عناء تحليلها سوسيولوجيا ولا ظرفيا ولا خصوصية ولا محدوديثها النظرية مادامت محكومة بكونها فى خدمة منظومة ترتكز على الأعيان ورءساء القبائل وزعماء العشائر وكبار الملاك .. أي كل هذه الهياكل التى كان عليها مواجهة عواصف التاريخ ورياح التغيير

يرى الكاتب أن الحداثة تسربت كما لو كانت الوباء فدمرت هذه المنظومة ثقافيا وسياسيا, وأمدت السلطات التقليدية بأدوات تقنية جد متطورة, جعلها تعصف بمكانزمات الشورى وتعوضها بمكانزمات دكتاتورية , وسعت من سلطان الدولة قمعا وتنكيلا وقهرا وجعلت كل شيئ فى خدمة الحاكم المطلق بأمره المطلق

ولأن الحقائق التاريخية عصية, فإن المؤلف يستدرك نفسه ليقول: نعم نعم كان السلطان مستبدا , لكن يجب أن نميز بين الإستبداد والدكتاتورية , فالإستبداد هو سيادة السلطان ولكنه السلطان المقيد بفعل تحالفاته مع مختلف مكونات المجتمع, إنه يحكم بها ومعها, أما الدكتاتورية فهى الإستبداد المطلق, إنه الحداتة التى تم تهجينها بإعلام أحادى ومؤسسات صورية وأحزاب كاريكاتورية ودستور مفصل حسب القياس

ويستخلص الكاتب: إن فشل بوش فى تصدير الديمقراطية , يعود لأن هذه لا تصدر, ولكنها لا تلبت أن تصبح فوضى عارمة , لأن المجتمع متى فقد معالمه التاريخية والتقافية يصبح عاجزا عن التعرف على هويته, فالديمقراطية الغربية لا يمكن تصديرها لعالم الإسلام , ذلك أن الديمقراطية تعنى انتخابات حرة ونزيهة, وفى حالة تنظيم انتخابات نزيهة فإن ذلك يعنى انتصار الإسلامويين المتطرفين, فهم وحدهم يملكون التسرب لكل النسيج الإجتماعى, بفضل شبكات العلاقات التقليدية, ومختلف القنوات التى تجعلهم يكسبون أية جولة ,مما يعنى دولة دكتاتورية إسلامية ساحقة للإختلاف وقاهرة للأقليات ومستعبدة للنساء

يجب الإعتراف يقول الكاتب, أن اللبراليين والعلمانيين والديمقراطيين لا يملكون أدنى حظ للنجاح , فلغتهم غير مفهومة. لا وقع لها فى المجتمع, لأنها تعتمد مخيالا ورؤية ومجازاأبعد مايكون عن البيأة السكلوجية الإسلامية .أو لسنا إذا فى عز المأزق التاريخي. فما الحل ؟ يقول الكاتب : المسلمون وعربانهم لا يملكون إلا العودة لتقافة الشورى, تقافة أهل الحل والعقد ,فهى وحدها تضمن لهم توازنهم ومع هذا شخصيتهم الدينية والتقافية . هذا يعنى لو قرأنا خلف السطور : " يامعشر المسلمين عودوا إلى صوابكم فالديمقراطية كما الحداتة إنتاج غربي وأنتم لستم إلا بدوا ! حري بكم إذا أن تعودوا لجمالكم ونوقكم وقطعانكم ومعها شوراكم وسلطانكم وأهل حلكم وعقدكم ! عليكم أن تكتفوا بإرتكم العتيق ففيه ضالتكم وكل الأجوبة عن طموحاتكم

كم تمنينا لو نزل الباحت المنظر لا أقول من برجه العاجى , ولكن من برجه الإستيهامى, فلو فعل ولو للحظة واحدة وسار فى مظاهرة واحدة من كل هذه المظاهرات من الدار البيضاء حتى دمشق فصنعاء لا كتشف أن كلمة الشورى لا وجود لها, وأن كلمة الدولة الإسلامية لا وجود لها ولكان اكتشف خلف هذا الهدير, مطلب أساسي, يلتقى حوله كل هؤلاء المنددون الساخطون , وهو الرغبة العارمة فى الدخول للحداتة والديمقراطية, ذلك أن الحداتة ماكانت إنتاجا غربيا ولا شرقيا , ولكنها صرح إنسانى بامتياز وللعرب والإسلام عكس ما يتجاهل الكاتب نصيب وافر فى تشييده

لكن المرأ لا يملك إلا أن يشعر بالأسى أمام هذه الترهات ,هذه الخزعبلات البائسة, يسوقها راعيها كما لو كانت قطيع هلوسات ! فكيف ؟ وهو الأأستاذ الجامعي المدرس بأعرق الجامعات! والذى يقال عنه مفكر! ويحضى بتقدير عالمي...!
لكن من يحرك خيوط " التقدير العالمي" ؟ تم ومن جانب آخر. أليست القضايا الإنسانية الكبرى هي نفسها وبالظبط تلك التى جندت الأحقاد الإيديولوجية الكبرى ومعها الإستيهامات الكبرى؟
الدكتور أحمد بن بنور

mercredi 1 février 2012

رباع ومعارض ومخضرم وبرشيدي! فأين المشنقة ؟

تحت عنوان " رسالة إلى المعارض المخضرم محمد الرباع البرشيدي" كتب السيد حبيب عنون مقالة فى "هيسبيريس" يرد فيها على الأستاذ محمد الرباع الذى صرح عبر مختلف وسائل الإعلام عن إنتقاده للإنتخابات المغربية ملخصا رأيه كالتالى : " إنها إنتخابات تجرى بين الملك والملك " ! وبالطبع فإن التعبير عن الرأي حق مقدس. بالظبط كما الحق فى تفنيد رأي ما , وإذا فالسيد عنون له كامل الحق فى نقده ذاك. لكن هذا النقد هنا أخذ طابعا يستحق أن نتوقف عنده ,لأنه يحيل على إرت لا يزال يحكم قبضته على حقنا فى أن نكون كما نشاء لأنفسنا أن نكون

يقول السيد عنون :" من العيب ياسيد الرباع البرشيدي أن تصف مجريات الإنتخابات المغربية باللعبة وهذا نعت يزيد من معرفة مدى انحطاط مستواك التقافى" وقد يكون سبب هذا "عدم فهمك لتاريخ بلادك الذى لمدة 12 قرنا عاش فى ظل الدولة العلوية الشريفة."
ويضيف حضرته غير آبه البتة بخلط الأزمنة التاريخية أو الركاكة التعبيرية :" لعلمكم ياسيد الرباع البرشيدي أن هم ملك البلاد هو رقي المواطن منذ أن كان أميرا وليا للعهد " تم لا يلبت الكاتب أن يلحق خصمه بكل الآخرين الذين لا يرى السيد عنون فى موقفهم إلا تعبيرا عن " ما ينبح به أعداء الوطن"!
هل يعنى هذا أن المخزن والوطن شيء واحد!؟ وأن كل هؤلاء المختلفون مع المخزن مجرد كلاب! ؟ مادام تعبيرهم ليس إلا نباحا !؟ ألم ينعت القذافى أبناء شعبه بالجرذان؟ ألم يكن يسمى معارضيه " الكلاب الضالة "؟ أو لسنا هنا فى عز الثقافة السلطوية المنفوخة بحمولتها الاستعلائية ؟

كل هذا لا يستحق أدنى اهتمام ولكننا نخطئ كثيرا عندما نهمل دلالات الخطاب التقليدي ومدى تأثيره اللاواعي فى خلايا تفكيرنا ومن تم ممارساتنا وإذا فلنتوقف ولو فقط عند عنوان المقالة مستوحيين روح النص وخلفياته .                                                                         
لعل القارئ سيستغرب من كلمة "البرشيدى" التي يستعملها الكاتب فالمعروف أن الأستاذ الرباع يوقع باسمه " محمد الرباع " فماذا تعنى هذه الكلمة فى هذا السياق خصوصا وأنها تتردد كلازمة مرفقة باسم صاحبها ؟ البرشيدي تحيل طبعا على مدينة برشيد وطرحها هنا ليس بريئا البتة ولكن الكاتب يريد القول أن الرباع هو "العروبي" المنتمى لتلك الجهة النائية التى أبعد ما تكون عن المدن المغربية الأصيلة والتي هي إما "حضرية" أو"مخزنية" . إننا هنا فى شبه قرية تقع فى الهامش المنبوذ أى تلك "الجهة" التى إما أمازيغية أو اعروبية والتى تميزت بسيبتها وخروجها الدائم عن السلطة الشرعية

كلمة "مخضرم"؟ هذه الكلمة فى الثقافة التقليدية تحيل على أولئك الشعراء الذين عاشوا فى ما سمي بالعصر الجاهلي وأدركهم الإسلام وإذا فأشعارهم لم تتخلص بعد من آثار البيئة المسماة جاهلية والتى لا تعتبر عمقا ثقافيا وحضاريا أمد المشروع الإسلامي بآفاق مخيال خصب ولكنها مجرد أمواج ظلام. وإذا فيجب التعامل مع هؤلاء بحذر وتوجس لأنهم يهددون صفاء الحاضرة المطهرة

وماذا عن كلمة "معارض" ؟ إنها فى هذا السياق لا تعنى الموقف السياسي المناهض للموقف الرسمي كما تريده لغتنا المتداولة كلا إن هذه الكلمة وفى هذا السياق وجنبا لجنب مع " المخضرم" تصبح "الخارج" أي عن الإجماع وإذا فالأمر يتعلق بالخارجي نسبة للخوارج خصوصا وأن المعني بالأمر يعيش "خارج" الوطن

هذه الكلمات اللابريئة جنبا لجنب مع كلمة "الرباع" تجعل هذه ليست إسما يدل على مسمى ولكنها صفة تحيل على مهنة متدنية كما ذلك فى بيئتنا المغربية فالرباع هو ذلك الشخص
الذى يقوم بعمل متواضع ليس أرفع شأنا من "الخماس" .
لنتوقف هنا قولا بأننا فى الآليات الفكرية التراتبية التى تشتغل بها الثقافة التقليدية والتى تجعلنا نترجم : "معارض مخضرم برشيدي" كالتالي : "خارجي جاهلي اعروبي ! " وإذا كان الرجل محمل بكل هذه الأوصاف القدحية هو مجرد "رباع" فكيف نستمع له أو نعطيه الحق فى كلمة ؟

إنها الثقافة العتيقة التي تعتبر المخزن الاستبدادي ضمانة لاستمرارية وجودها فهو الحافظ لرأسمالها الرمزي المعرفي المهدد بحداثة يجسدها نساء أبيات ورجال أشراف من صنف الأستاذ الرباع أي أولئك المنبتقون من كل الأصقاع والمقتحمون هذه القلاع حيت يحنط الفكر وتعتقل الإرادات

في هذا الخطاب نكتشف هذه الطاقة التسفيهية التي تشكل الدعامة الرئيسية لثقافة الاحتقارالتقزيمي ضد كل تعبير خارج فضائها المقدس. نلمس غيضا مكتوما ضد هذه الإرادات التى تشق طريقها خارج الرقابة الخانقة للجهاز المعرفي التنميطي . إن الأستاذ الرباع غادر المغرب متمردا على القمع ولكنه لم يستكن بل واصل دراسته ونضاله ليصبح أستاذا جامعيا تم نائبا برلمانيا فى هولندا تم صوتا مسموعا منددا بالعنصرية أي كل هذا الذي يعطيه شرعية الحق في مؤازرة الحق . لكن الثقافة التقليدية لا تطيق هذا لأنها وحدها مالكة الحق والحقيقة لذلك تستدعى كل أدواتها التحقيرية لسحق خصمها اللذوذ الذى كما شيد شخصيته المستقلة فإنه يذكر بحق أمته فى تشييد شخصيتها الحرة المستقلة. مرةأخرى وبالكثير من الأسى أطرح هذا السؤال الموجع :" لماذا هذه الشتائم وكل هذا الإحتقار لشخص ذنبه الوحيد , التعبير عن رأى مخالف بالأسلوب الحضاري ذاته الذي تقره المبادئ الديمقراطية ؟" للأسف الشديد يجب الإعتراف بأن التربية التى نتلقى فى البيت والمدرسة والمخزون الذى نرت والجو العام الذى نعيش فى أحضانه. كل هذا يؤهلنا لكي نكون طغاة صغارا أي جنودا مجندين فى خدمة الطغيان الأكبر

لذلك فإنى عندما أقرأ فى هذا الموقع وفى صحافتنا الوطنية دراسات ومقالات لامعة بحسها الحداثي والتحرري والنقدي والتسامحى أكاد أصرخ أمام أصحابها :" طوبى لكم أيها السادة الأشراف لقد حققتم ثورتكم الثقافية فجعلتم من أقلامكم فوانيس فى كل هذه العتمة

الدكتور أحمد بن بنور

دموع المرزوقى وترقيع بنكيران

إذا الليل أضوانى بسطت يد الهوى وأدللت دمعا من خلائقه الكبر . هذا ما يقوله أحد كبار شعراء العربية, معبرا عن هذه الحقيقة الصارخة حقيقة أن الرجال الأحرار لا يبكون, لكنهم ينهارون, يجهشون بكاء فى تلك اللحظة المرة التي يعانقون فيها الجروح الغائرة لأمتهم, جروح القهر, جروح الذلة, جروح الهوان. أي كل تلك الآفات التي حفرها الاستبداد المقيت ندوبا وقيحا في جبين وذاكرة وجسد الأمة

 عندما اعتلى منصف المرزوقى منبر الأمة, ليقول كلمة الأمة, كانت نبرة الصدق ونبرة العزة في خطابه تخرسنا, حتى كأن الطير بل كل الطيور تجمعت فوق رؤوسنا. وعندما أجهش الرجل بكاء, وجدنا أنفسنا نكفكف دموعنا , لأنه كان حقا يتكلم عن تونس, وهوان تونس في ظل الاستبداد, لكننا كنا نراه يتكلم عنا عن مغربنا !! عندما يقول : " لم نعد نهرب لبلادنا من جور ما يلحقنا خارجها بل أصبحنا نهرب من بلادنا من هول ما يهددنا في أحضانها

من قال أن هذا لا ينطبق على المغرب ؟ أو ليس الخارج ضمانة أمن واستقرار وطمأنينة, فى حين أن بلادنا ليست إلا فضاء تهميش وفقر وإقصاء فى حق كل من تسول له نفسه التعبير عن رأي حر, أو المطالبة بحق, أو الرغبة فى استقلالية, خارج فانطازيات المخزن بسموم خيولها, وبارود بنادقها الصدئة

يقول السيد الرئيس منصف المرزوقى :" العديد من شباب بلادنا انتهوا أجسادا متعفنة ملقى بها فى الشواطئ الأوروبية". ألا ينطبق هذا على الشباب المغربي الذي ابتدع هذا التعبير
 المدهش " الحريك" بمعنى:" أحرق كل ما يمت لعالم القهر والفقر بصلة, والق بنفسك فى اليم فإما حياة كريمة فى الضفة الأخرى, وإما قبر فى أحشاء القرش.! فالقرش الأقبح هو القرش البشري الحاكم, الذي يلتهم الكرامة والحرية ومعهما الزرع والضرع

يقول الرئيس : " طغى الفساد وتجبر حتى التهم كل شيئ حتى أصبح كل شيئ فى خدمة الفساد وأصبحت المؤسسات فى خدمة الفساد وأصبح هم النظام صيانة الفساد فهو عماده وركيزته بل وأكتر من هذا أصبح الفساد هراوة النظام تقصم ظهر كل من تجرأ على المطالبة بحق أو المندد بمظلمة" .هل السيد الرئيس كان يتحدث عن تونس بن علي أم عن مخزن هذا المغرب البائس حيت الفساد مفتاح "سمسم" والوطن مغارة على بابا .؟ لا أريد أن أواصل فكلنا حقا فى الهم عرب! كلنا فى الإستبداد مغارب ومشارق: سيان

ولكن جبهة الإستبداد بدأت تتفتت: تونس كما ليبيا كما مصر اندرجت في مسلسل الدمقرطة بمده وجزره. ولكنه المسلسل شلالا يشق طريقه بقوة الإرادة, إرادة الأمة . لكن ماذا عن الضيعة أو الفيرمة التي نسميها المغرب ؟ فى الوقت الذى كان فيه سيادة الرئيس المرزوقى يلقى خطبته مؤكدا دخول بلاده الزمن الديمقراطي الحاسم, كانت بلادنا تواصل تخبطها فى الزمن المتعفن, وكان الوزير الأول بنكيران منهمكا فى ترقيع رداء ما يسمى بالحكومة القادمة, وما أكتر ما كان الخرق يتسع على الرقاع ! نعم وبكل تأكيد ستنبثق الحكومة من هذه الرقع وستكون كما قال شاعرنا : فجاءتني كثوب ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفات. إنهم الشيوعيون مع العداليون فى رقصة تشمئز منها الأمة. إنهم اللبراليون مع المحافظين مع البوجاديين فى نكثة سمجة. إنهم الحركيون والدستوريون وأشتات الشوريين وبقايا الإستقلاليين وفتات الإشتراكيين فى قهقهة مخلة بالحياء. و

باختصار إنه خليط عجيب لا يكاد يجمعه إلا الولاء للمصلحة والكسب. وإذا فالولاء كل الولاء تسبيحا وحمدا وتمجيدا لصاحب الأفضال: السيد المخزن دام له النصر والسؤدد. بقي القول أن الرقعة كما الترقيع فى ثقافتنا العربية, كما فى كل الثقافات سمة خصاصة وفقر, ولكن الأمر قد يكون غير ذلك فى بيئتنا المغربية فالمعلوم أن الطقوس الضرائحية الزوائية كما ورثناها سكلوجيا , وكما كانت تمارس عند المريدين والشيوخ على حد سواء, كانت تعتبر المرقع والترقيع دليل تواضع وزهد تقربا لله, ورفض للأناقة الدنيوية, ومعها متاع ومتع الدنيا التى ليست شيئا أخر إلا " وسخ الدنيا"هل بنكيران وهو يلبس المرقع إنما يفعل إخلاصا لتلك البيأة العشائرية الحارة بطقوسها وجذبتها وأوردتها ؟ نعم ذلك من حقه وهو" العدالي التنموي"

ولكن ألا يرى معى أن كل هذا لا يعطى كأس ماء لكل هؤلاء الظمآنين فى هذه الصحراء القاحلة ؟ تم ألا يرى معي أنه بلباسه المرقع هذا إنما يستفز الأمة! لأنه يذكر بأهل الحل والعقد الذين يرفلون فى الحرير المطرز بالزمرد والياقوت تبخترا فى قصور يعلم الجميع أنها شيدت وتشيد من كل هذا الجوع المترامي الأطراف

وا فرحتاه ... الإتحاد الإشتراكي يعود لمعارضتاه

جاء فى صحافتنا الوطنية أن الزعماء الذين سطوا على الإتحاد الإشتراكى " كشكشوا وأرغدوا وأزبدوا" تحت قبة البرلمان تعبيرا عن غضبة ليست إلا إرهاصا للزوابع التى سيفجرونها وقد عادوا سالمين غانمين للمعارضة ولقواعدهم التى تستعد لاستقبالهم بالطعاريج مزغردة منشدة :" مرحى بالأشراف العائدين. مجللين بهيبة الإنجازات: عدلا وتعليما وتنمية وإرساء دعائم دولة الكرامة .. مرحى بالأبطال الذين جعلوا من أول حزب وأشرف حزب ليس آخر حزب وكفى! بل منديلا يمسح به المخزن نعاله المتسخة
إنهم لم يكشكشوا ولم يرغدوا ولم يزبدوا إلا تسخينا للطرح , وتحضيرا للبنادير, فالمعركة تنذر بأن تكون حامية الوطيس, وإذا فهاهو ولعلو يبحت فى دهاليزقصوره عن قبضته تلك التى كان يخبط بها الطاولة فى البرلمان فيهتز المخزن وتصفق الأمة . هاهو الأشعرى يبحت بين أبقاره وخيوله عن " عين العقل" . ذلك العمود الذى كاد يقصم يومها ظهر المخزن . هاهو اليازغي يبحت بين أنقاض الأمجاد عن خطب : " قافلة التحرير تشق طريقها بإصرار" هاهو الحميش الذى لم يكن لا فى العير ولا فى النفير ولكنه اليوم متحمشا محنشا حروزا جديدة . صارخا : " أنا رب الثقافة ومنبع الفلسفة وإن ادعت الثقافة الكلبة أنها بريئة منى فهاتوها حتى أذبحها بمنجلي البتار
هاهم الفرسان يعودون لاجتياز قفار المعارضة, وما ضرهم والشعب الأبي بجانب الأباة من أبنائه. هاهم إذا يعودون لساحات الوغى على امتداد الوطن.. وهموم الوطن.. وفقر الوطن.. وذل الوطن.. وهوان الوطن.. وسوء طالع هذا الوطن
هاهو كبير فرسانهم : القائد المبجل الراضي .. المرضي .. المحضي يهدد غريمه الجديد بنكيران, بالكي والشي ظهرا وبطنا على مجمر المعارضة .... ويضيف : " واعلم أني لكم تمنيت أن أراك يا إ بن كيران بلحية من صنف لحية الشيخ ياسين حتى أنتفها زغبة زغبة, لكن ما الحيلة ولحيتك أقصر من سروال علي .! غير أنى أحلف بما يحلف به الرجال الأشداء, لأستعملن أظافري وأسناني حتى أنتف ما بدا وما خفي من لحيتك .. فما تنتهى ولايتك إلا ووجهك حليقا أمردا كوجه غلام يسر الناضرين

الراضي المرضي فى البرلمان الراشي المرشي

هاهم الفرسان يعودون , هاهم ينفضون الغبار عن متاريسهم , عن رماحهم هاهم يخرجون من أنفاقهم صورة الشهيد العظيم , هاهم يشحذون ألسنتهم فقد أصبحت عصية بما استأنسته من هش وبش أمام أولى الأمر, هاهم يهيئون أياديهم لمصافحة أيادي الشعب الخشنة , فأياديهم أصبحت رخوة بما تعودت عليه عدا ونقدا . هاهم يحاولون الإستواء وقوفا وأنى لهم ذلك وظهورهم تقوست تمسحا بالأعتاب الواطئة
لكن ما الحيلة ؟ فعليهم مسؤولية إنقاذ الأمة , وإنقاذ ملكيتهم للحزب المهددة من شبيبة اتحادية طافحة بعزة الشباب , ومخلصة لروح الشهيد العظيم , ومعها شبيبة عشرين فبرارية تجند الشوارع والساحات وكل الفضاءات ! ما حيلة الفرسان إلا المعارضة سبيلا لجندلة الخصوم وإنقاذ المخزن والعودة غدا للسلطة مظفرين معززين مكرمين
هاهم ينفضون عن صحيفة الإتحاد الإشتراكي غبار الخنوع , هاهي تتألق وتستعيد خطابها ومجدها يوم كانت بعبعا تخيف به الأمهات أطفالهن العصاة, هاهي تغادر أدراج المكاتب المقفلة مثل المارد يغادر قمقمه , هاهي الجماهير الكادحة , تعانقها , تتخطفها. قبل أن ترفع على أكتافها الزعماء الأشاوس . وهاهم التقدميون التحرريون يرسمون طريق الحقيقة المطلقة بأحرف من نار ونور
وأخيرا وقد انجلى غبار المعركة .. هاهم ينتصرون على الخصوم وعلى الشبيبة, هاهم ينتشلون من جديد مقاليد الحزب ومقاليد الأغلبية السمينة ويعودون للسلطة وهاهو الراضي المرضي رئيسا مدى الحياة , للبرلمان الراشي المرشي , وهاهو اليوسفى مرة أخرى يتعتر في أذيال نزاهته , يقتحم مجلس الأمة يحمل المصحف الشريف حتى يقسم قسما جديدا أمام العهد الجديد القديم!.. هاهم رفاقه الأشاوس يتبارون على البر والتقوى, فمن كان يملك ضيعة سيشيد ضيعتان , ومن امتلك قصرا سيشيد قصران, ومن نهب بنكا سينهب بنكان .. فلنصفق لنجاحهم ...وعاشت الإشتراكية لأهلها .. والفقر.. كما الذل.. كما الهوان..كما الأمية .. كما أكواخ الصفيح .. لهذا الشعب الصابر على هذا البلاء العظيم

سيدي العام الجديد أعطنا ثورة خضراء

نعم حضرة العام الجديد ! أعطنا ثورة ديمقراطية تخرجنا من هذا الهوان.ولتكن "شطابة" تشطب كل هذا الفساد ولتكن أنشودة فى أفواه كل البنات,وقيثارة في أيادي كل الفتيان... أنشودة تصدح بأحلامنا, وحقنا في ثقافتنا, وحقنا فى العدل, وحقنا فى التنمية, وحقنا فى الخبر, وحقنا فى تاريخنا. نعم سيدي العام الجديد فكل هذه الحقوق مصادرة, كل هذه الحقوق ملكية محتكرة لأهل السلطة. كل هذه الحقوق مختوم عليها بالشمع الأحمر, فى صناديق أهل الحل والعقد وإن كانوا يعقدون ولا يحلون

ألهم حضرة العام الجديد حكامنا بعض حكمة, فنحن لا نريد مواجهة, لا نريد تنكيلا ولا قمعا, لانريد سلاحا, لا نريد نجيعا متدفقا, لانريد قنابل مسيلة للدماء, ولا مشانق مسيلة للأرواح. كلا سيدى العام الجديد, فنحن شعب مسالم كريم,نحب السلام وأغصان السلام. ونهيم غراما بالحمام.. لكننا مسنا ضر هذا الفساد. هذا الوباء الذي يجرفنا حضارة ووجودا, ويجعل منا أعوادا نخرة تحت حوافر خيول المغول..تلك المتربصة بنا

وكنا تعبنا سيدى العام الجديد من فقرنا, تعبنا من السوط سكرانا مترنحا راقصا فوق ظهورنا, تعبنا من هذا السطو على أرزاقنا وعلى مستقبل أطفالنا, تعبنا من رؤية عرق جبيننا متناترا فى خزائن حاكمنا, تعبنا من أكفاننا فوق رؤوسنا كلما طالبنا بحق. وأكتر من هذا تعبنا أن نرى أضلاعنا كما أضلاع آبائنا منقوشة بمحاريث الأشواك فى مآقينا ..تعبنا من حكم يحكمنا باسم الأصنام البائدة والأسفار المصفرة...وفى كلمة, تعبنا من الخوف فى مملكة الخوف ومملكة الأبواب الموصدة
نعم سيدى العام الجديد.تعبنا من أسئلة أطفالنا عن مستقبلهم فلا نعرف كيف نجيب ونحن لا نرى إلا لجج المحيط وأجسادهم الغضة بين أنياب القرش. تعبنا من أسئلة بناتنا عن مستقبلهن..! ونحن نخاف عليهن مرتعشين من الرصيف, وقذارة الرصيف, وكيف لا والرصيف يغزو مدننا يغزو قرانا ؟ حتى لكأننا بمدننا لم تعد إلا الرصيف يرغب أن يلتهم بوقاحة الرصيف كل البيوت والشوارع والمدارس والمكتبات والصحف والحرف والكلمة

جسد امرأة .. جسد الأمة

نعم أعطنا ثورة سلمية خضراء تجعلنا نطوى صفحات هذا الخزي. فنحن شعب يعشق الحياة ولا يصلي للآخرة إلا لأنها امتداد للحياة. لذلك فنحن لا نريد لأم واحدة أن تفقد وحيدها احتراقا ببنزين الغيض,أو سقوطا برصاصة طائشة أو مصوبة . كلا لا نريد لفتاة واحدة أن تهان دوسا وركلا فى الساحة العامة تحت أقدام الأجلاف من اشماكرية السلطة.. كلا إن جسد امرأة, أية امرأة هو جسد الأمة, كل الأمة

نعم حضرة العام الجديد إننا شعب متسامح كريم, وقد نصبر على الضيم دهرا..ولكننا عندما ننتفض فإننا لا نعود لديارنا أو خيامنا أو أكواخنا إلا إذا انتزعنا حقنا.. ! نعم حضرة العام الجديد إننا نحترم حاكمنا, ولكن عندما لا يحترمنا حاكمنا,عندما يحتقرنا حاكمنا, ساعتها فإننا نعلن حقنا المقدس فى التمرد المقدس, فالتمرد المحرر الساخط ذاك وحده المقدس بلا منازع

تأمل معى حضرة العام الجديد هذه الهياكل المتسلطة, تأملها فى شرهها اللامحدود, إنها تبتلع الشجر والحجر والبشر متربعة فوق كل هذا.. وتحت كل هذا جماجم الشهداء وأشلاء الإنحطاط.. إنها تنتشي شبقا.. فذلك لا يعنى إلا شيئا واحدا : إنها المصطفاة, وأن هذا النعيم على امتداد خارطة الوطن, وفى خزائن خارج الوطن ليس لأنها المباركة من الله وملائكته ورسله
لكن بالله عليك حضرة العام الجديد. متى كان الله جل جلاله وهو الحق سبحانه..!يعطى هنا حتى التخمة والبطر.. ويمنع هناك حد الإملاق والجوع والقهر؟؟

تأمل معى كل هذا الفقر المكوم, تأمل معى أمة نصفها يتخبط تحت عتبة الفقر, و تلاتة أرباعها فوق عتبة الأمية وحكامها يرفلون ضحكا وتبجحا وزهوا بامتلاكهم البر والبحر أرضا... وشبه شريعة قيل شريعة الله سماء..؟ فكيف لا نخرج زرافات وأمواجا للشوارع تنديدا بهذا المسخ الذى لا يحلو له إلا مسخنا حتى تموت فى أرواحنا أدنى ذرة من عزة ؟

أعطنا سيدى العام الجديد عهدا آخر نوقع فيه عقد المصالحة مع ذواتنا وهوياتنا .. فقد أصبحنا نخجل من انتمائنا لبلادنا.. وهذا الطلاق المدوي مزق فينا كل تقة بأنفسنا , وفتح كل الأبواب لأقبح الأنانيات , وأقبح الإنبطاحات وأقبح الخيانات

أعطنا سيدى العام الجديد الحق فى ثورة ربيعية تزهر فى راحاتنا رياحا ورياحينا.. ولتكن حضرة العام الجديد شامخا فى الإعتراف لنا بهذا الحق .. شموخ الكرامة مجللة بأهداب الإنتفاضة .. فى صدر امرأة أمازيغية عربية مغربية