Rechercher

mercredi 22 février 2012

عبد الباري عطوان أو القلم منغازا في ظهر الكلمة

السيد عبد الباري عطوان،

مقالتي الأخيرة "عبد الناصر العائد أم نحن العائدون" صدمتك بنفسها الحارق، لا لخزعبلات  هذه الأنظمة الساقطة أو المترنحة، بل لحربائيات أشباه الإعلاميين، الذين تساقطت أوراق التوت عن زيفهم، تحت وقع الهدير المدوي لهذه الأمواج  الجماهيرية، مطالبة بحقها في إسقاط الأساطير المؤسسة للطغيان .. فكرا ودولة وإعلاما ...
مقالتي كانت صادمة لهؤلاء الذين، ديماغوجية وتعتيما، يريدون أن يضعوا القائد الخالد عبد الناصر في نفس السلة الطافحة دما، مع هؤلاء السفاحين القتلة : القذافى، بشار وصالح  وغيرهم  من الأنانيات المقيتة للحزب الواحد الأمقت .
نعم، مقالتي هذه صدمتك، فمارست عليها الرقابة. ولعلك بغيض مسعور مزقتها بغضب، نافخا شذراتها في سلة مهملاتك، هناك حيت تضع مشنقتك التي تلوي حبلها على الأعناق التي بصلف وقلة أدب تتجاوز إبداعك الأعظم، وتجليات بصيرتك الأسطع،  نارا ونورا  .
 ولعلي أتفهم جيدا حقك في الدفاع عن مربعك الصغير المهدد بالربيع العربي . وهذا ليس موضوع مقالتي هذه، بل موضوعها هو مقالتي السابقة، التي بعثتها لك في حينها فلم تنشرها إلا أياما بعد تجاوز صلاحيتها، وربما لك عذر ما، ولكن الذي لا يغتفر لك هو تصرفك الدنيء في هذه المقالة .

يكفى واحدة منها لتضيء عوالم العربان وتبشر بانحسار الطوفان
ماذا لو توقفنا عند العنوان فقط : " أيها السادة : القذافى ليس دمية " هذا العنوان تحول تحت مقصك إلى  :" أيها السادة القذافى لم يكن دمية " ولا أعتقد البتة أنك تجهل اللغة العربية ولا لغة السياسة، حتى لا تعلم أن الفرق هائل بين العنوانين، فالعنوان الذي وضعته أنا  يقول :  القذافى ليس دمية فنغرس فيها ما نشاء من خناجر، وندوسها كما نشاء بالأقدام، كما حدث انتهاكا لأبسط الحقوق مع ذلك العقيد اللا مأسوف عليه. أما العنوان الذي صنعته أنت فيقول : " القذافى لم يكن دمية" مما يعنى أن القذافى لم يكن صنيعة ولا أداة في يد قوة ما، خلال حكمه ...وهذا القول أنا بريء منه براءة الملائكة من استمناء الشياطين والعياذ بالله...

بالإضافة إلى هذا التشويه، هناك تشويهات أخرى لحقت النص حذفا هنا وإضافات إنشائية سخيفة هناك، ومع هذا إدغام فقرة في أخرى، مما أعطى في نهاية المطاف نصا مشوها مرتبكا. أي بالضبط كما أردت له أن يكون. ولم لا ؟ أو لست وحدك الأذكى، وحدك الصحافي الأخطر والعلامة الأشهر، الذي لو نزلت مقالة واحدة من مقالاته على جبل لتصدع شرارات، يكفى واحدة منها لتضيء عوالم العربان وتبشر بانحسار الطوفان ...

من فوضك هذه السلطة الاستبدادية المنحدرة من عهود القهر والفقر؟
وإذا فإني يا حضرة العلامة آخذ بخناقك سائلا مستنطقا: من أعطاك الحق في الاعتداء على صوتي واستعمال مقصك الصدئ في ذبح لساني؟ من فوضك هذه السلطة الاستبدادية المنحدرة من عهود القهر والفقر؟ من خولك الحق في تقييم رأيي أنا ؟ والتدخل في قناعتي أنا ؟ تنكيلا ودوسا وازدراء؟ أعرف جيدا أن ثقافتنا المتخلفة تحرم استعمال كلمة " أنا". أو لسنا نقول " أعوذ بالله من قولة أنا " ؟  لأن ثقافة القبيلة وثقافة البداوة، لا تقر بحق الفرد في الاختلاف، ولا في التعبير، ولا في الكلمة .. فبالأحرى تأكيد الذات ...
 قد يقول قائل وقد تقول، إن رد الفعل هذا مبالغ فيه، ولكني أجيب صارخا :  " كلا إني المواطن العربي المنبثق من هياكل القهر والمنتفض فى وجه هذه الوصايات السياسية والإعلامية. هذه الوصايات العشائرية ، التي تتغذى من خنوعنا .. وصمتنا .. ورضائنا بهذا التحكم فى مصائرنا وما تضمره أفئدتنا...
كلا رد فعلى هذا ليس مبالغا فيه، ولكنه انتفاضتنا ضد الصروح الورقية، والأهرامات الكارطونية ، التي أفرزتها هياكل قهرنا وعبوديتنا ووقفنا أمامها راكعين جاثيين، حاسروا الرؤوس حافيوا الأقدام .

العديد من رؤساء التحرير ومدراء التحرير ليسوا إلا تلاميذ نجباء لصدام والقذافى وبشار
إني أعلم أن العديد من رؤساء التحرير ومدراء التحرير ليسوا إلا تلاميذ نجباء لصدام والقذافى وبشار،هؤلاء الذين وإن اندثروا ، فإن تلامذتهم يواصلون معركتهم المقدسة ، معركة خنق العقول ماداموا لا يملكون سلطة نصب المشانق لسل الأرواح .
من هنا انتفاضة الغضب الديمقراطي ، الغضب الحداثي، ضد هذا المسخ الإعلامي العتيق ، الذي يريد أن يجعل من قلمه منغازا في ظهر الكلمة .. فهل نملك إلا الصراخ عاليا  : " كلا وألف كلا أيها المسخ .. إن البردعة التي تعتليها والمرقعة باستيهاماتك الدونكشوطية هي اليوم محط سخرية .. كيف لا والقبضات المضرجة تطرق أبواب الديمقراطية.. وأبواب الحق في الكلمة ...." ؟    
الدكتور أحمد بن بنور