هذا الحدث الذي عايشته بلادنا، والذي لم تهتم الصحافة
إلا بما تضمنه من إثارة، يستحق اهتماما من نوع خاص لأنه طافح بالدلالات. تقول
الواقعة أن معلما ما، في مدرسة ما، وطوال شهور عديدة ظل يلاحق إحدى تلميذاته،
محاولا الإيقاع بها بين ذراعيه. وعندما أعيته الحيلة، عرض عليها في خاتمة المطاف
عرضا في منتهى الغرابة: أن يختلي بها في قاعة الدرس المجاورة، وأن تتأمله بعينين
مفتوحتين وهو يمارس الاستمناء. الفتاة الماكرة لبت الدعوة، وكانت شاهدة على
العملية المحمومة حتى نهايتها وانصراف كل منهما لحال سبيله. ولكن المعلم المغفل لم
يكن يعلم أن شاهدا ثالثا كان حاضرا،
فالفتاة المشاغبة اصطحبت هاتفها المحمول، وأوكلت له مهمة تصوير كل شيء صورة
وصوتا. أي حنحنة وصهيلا ، تم فيضانا ملوثا قاعة الدرس المقدس .
لنتوقف عند كل الدلالات وما أخصبها ...
إن أول ما يصدمنا في هذا ألحدث، هو انهيار صورة المعلم
بين الأمس واليوم، إنه سابقا ذلك الرجل الذي يعيش وضعية رضى عائلي، واكتفاء مادي،
وتقدير اجتماعي وشبع جنسي. كل هذا ينهار تحت وطأة قيم الإستهلاك في مجتمع الاستبداد
الإيديولوجي والاحتكار الاقتصادي، وإذا فالرأسمال الرمزي ينهار في غياب الرأسمال المادي،
الذي أصبح السيد المطاع، وإذا فالمعلم أصبح في أسفل الهرم الاجتماعي، يعيش أقصى
الضائقات، لا يعرف كيف يواجه مصاريفه الخاصة، ولا كيف يقدم بعض العون لعائلته
البائسة في قريته النائية بين السهول والجبال، إنه لا يعرف كيف يتزوج المرأة
الصالحة؟ وهل ترضى به بعلا إن وجدها ؟ بل ولا يقدر حتى على شراء لحظة دفئ مع امرأة
ما ... إنه يتردى إذا لذلك الدرك البغيض: إغواء تلميذاته المراهقات..
الممارسة أصبعا مامارسه المعلم خمسا...
كل هذا في مجتمع ولأنه جد محروم، وجد مقموع، وإذا فهو جد
منبهر لا يرى في الطبقة المتفسخة التي تحكمه إلا ما تعرضه من مظاهر ثرائها وتبجح
فسادها .. وإذا فمرحى باستفزاز الجنس، حيت
الأفخاذ العارية تكتسح لوحات الإشهار والمجلات والتلفزيون ، مرحى بالنهود المنتصبة
تغزو الفضاءات وتصفع في وضح النهار البصر والبصيرة...
من هنا اشتعال الإستيهامات الفانطازمية، لقد توقفت
صحافتنا عند شخصية المعلم " المختلة"، ولكنها لم تتوقف البتة عند شخصية
التلميذة ، هل كان موقف عذرائنا الصغيرة بريئا وهي تصور الفعل "
الحرام"؟ ألم تكن تتابع ذلك بلهفة وشبق ؟ حتى إذا عادت لبيتها أغلقت الباب ،
واندست فى فراشها لتمارس أصبعا واحدا ما مارسه معلمها أصابعا خمسا " في عين
الشيطان "؟
وماذا عن موقف البوليس؟ تقول الصحافة أن المعلم طعن في
صحة الصورة مدعيا أنها مركبة. لكن البوليس أخضع الصور في مجملها للخبرة العلمية، . برافووو..
متى كانت الشرطة القضائية تتحرك في قضايا إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، حد إخضاع أقوال الاتهام
للخبرة العلمية ؟ أو لم تتحرك الشرطة هنا إلا أولا بدافع شبقي استيهاماتي؟ وثانيا
سحق انتفاضة القلم الذي تجرأ على التعبير عن ثورة فقره أمام تلميذته ؟ ها ها ها ها
...
الاقتناع بالمرق .. اللحم غال .....
موقف البوليس المغربي يذكرني بذلك الرسم الكاريكاتوري
بصحيفة فرنسية، والذي يرسم فتاة بصدر شامخ وشفتين شهيتين، تجلس أمام مستنطقها الذي
جاءت تبلغه عن اغتصاب تعرضت له ، كل هذا ورجل البوليس يستمع لها ولعابه يسيل
وأسئلته تتلاحق متهدجة : " كيف خلع مئزرك؟ وهل ضاجعك ظهرا أم بطنا ؟ ... الخ.. ومع هذه الإسئلة الحارقة ، نكتشف تحت
الطاولة اليد البوليسية تمارس الاستمناء بإيقاع محموم ، فالمشاهد ساخنة ، تكسر
عقال المخيال فينطلق ضاربا بحوافره الأحاسيس فيفجرها قدحا ومعها العاديات ضبحا ...
وعودة لمعلمنا المسكين فإنى أعتذر إن كنت سأخدش الحياء
وأنا أروى هذه النكتة التي تلفح بلهيبها صقيع النفاق الأخلاقي : " رجل بسيط
من صنف معلمنا يذهب لماخور البغاء، وهناك تستقبله غادة هيفاء مذكرة بأن السعر
مائتي درهم، فيسأل : وماذا عن قبلة وكفى؟ فتجيب غادتنا : مائة درهم. فيجيب المسكين،
بأنه لا يملك إلا خمسين درهما فهل تعطيه حقا ما ؟ فتجيب المرأة : نعم تعطيك الحق في
جرعة ما أتبوله لك في كأس.. ويقبل المسكين ويدفع الثمن ويأخذ كأس البول إلى بيته،
وهناك يخلع ثيابه تم يغطس رأس همه في السائل الثمين قائلا : "آسف ياعزيزي
ولكن اللحم باهظ الثمن فعليك الاقتناع بالمرق .."
ختاما كنا نقرأ : قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن
يكون رسولا .
لكننا منذ اليوم سنقرأ : قف للمعلم لا إجلالا ولا تبجيلا
إنه من حرمانه يستمنى بكرة وأصيلا ...
الدكتور أحمد بن بنور