هل سيضع محمد السادس حدا لحياة المخزن؟
منذ سنوات والمخزن يحتضر، يرقد ساكنا غرفة الإنعاش، وكل الأدوية
الملقنة ليست إلا ضمادات على عمود فقري من خشب. لكن هذا المريض وإن كان فاقدا
الوعي فإنه يملك قدرة مدهشة على تحريك أصابعه، وتحريك الخيوط المتحكمة فى مصير البلاد والزاد، وما
بينهما من عباد.
محمد السادس لم يسبق له أن كان كما هو اليوم تحت مجهر الأمة. الجمعيات
الحقوقية، كما الأحزاب، كما المؤسسات. كلها تنتظر لفتة، إشارة، تدخلا من الملك لإطلاق
سراح معتقلي الحراك بعفو ملكي ! لكن هذا يطرح على جلالته سؤالا خطيرا : من هو
الأحق بالعفو؟ هل هم هؤلاء المعتقلون والمعتقلات، وهم لم يمارسوا إلا حقهم المضمون
بقوة الدستور، حق التظاهر، حق الخطابة، حق التجمهر تنديدا بالمظالم ؟ أو ليس الأحق
بالمحاكمة هو المخزن، الذي يخرق الدستور، فيستقوى جبنا بزراويطه يسددها لرؤوس يراها
أينعت، وحان كسرها ؟
كلا . الأمة كل الأمة تنتظر
من الملك، ماهو أكبر وأجل، إنها تنتظر الموقف الحاسم، الموقف التاريخي، الذي يعني
إنهاء حياة المخزن، إرثا وحرثا وحراثا ومحراثا. هذا الأخطبوط العتيق الذى يلتف حول
الإرادات ليخنقها والعزائم النبيلة ليسحقها. هذا الكمين المنصوب دوما وأبدا
للديمقراطية كلما دفنها، كلما عاد تركيبها مسخا، يختال بيننا متحديا، ناشرا أعرافه
الطاووسية، متبجحا ساخرا من أحلامنا وطموحاتنا.
هل يمد الملك يدا يمنى كريمة للأمة، بينما يده الأخرى تطلق طلقة اللارحمة
على المخزن الفاسد المفسد ؟ أو لا يعنى هذا ميثاقا جديدا بين المؤسسة الملكية
والأمة ؟
ألا يعنى بيعة مستأنفة وشجرة رضوان تستضيء وتستظل بها الأمة أمنا وطمأنينة
ورقيا وسلاما ! ؟
هل سنعيش ساعتها إطلاق سراح الشبيبة، وإطلاق سراح حرية التعبير، خارج
الكمامات والأكمام المخزنية القذرة ؟ هل سيطلق سراح صناديق الاقتراع التى تعودناها " تتنخم '' علينا بين موسم وآخر، ما به تحشى من مال حرام ورشاوي حقيرة ؟ هل سنعيش
إطلاق سراح الكفاءات السياسية النبيلة التى لأنها رفضت اللعبة الحرام، والمال
الحرام، تم تهميشها والحكم عليها بالمنفى خارج الحاضرة المقدسة ؟
هل سيتبنى محمد السادس نفس موقف ذلك الملك الرائع الخطى، خوان كارلوس
الذي فى تلك اللحظة التاريخية العسيرة، وقف متبصرا شهما وعزيزا، منددا بالانقلاب
الفاشي، مجنبا الأمة الإسبانية أهوال الظلام ؟ إنه نفسه الذى كان يعلم يقينا أن
شرف الملك من شرف الأمة، وهيبة الملك من هيبة الأمة، فكيف لا تصنع له الأمة تاج
الهيبة وإكليل الغار ؟
هل سيعطى الملك محمد السادس إشارة الخلاص، فيضع حدا لمخالب المخزن
المغروسة فى عيون الأمة، وقوت الأمة، ومدرسة الأمة، وثقافة الأمة ؟ هل سندخل
ساعتها عهد الصحوة الكبرى ؟ عهد الملكية البرلمانية الشريفة، التى تدين بدين الأمة،
بمعنى لا تُهين الأمة فتجعل من دين الأمة حمارا مبردعا فى خدمة مآرب صغيرة.
فهل هذا بعزيز على الإرادة الملكية ؟ هل هناك أروع من هذه اللحظة التاريخية
ونحن نصطف خلف الملك صارخين : نعم انتصرنا على شياطين التفرقة، وشياطين الفساد،
وشياطين الفتنة، وها نحن أمة واحدة، لغاتها متعددة، لكنها قلب واحد، مشاربها مختلفة،
لكنها نبض واحد، عرقياتها كما جغرافياتها متلونة ، لكن كل هذا فى ظل ملك واحد، ملك
منزه عن الحكم، وأوحال الحكم ،منزه عن الثروة و تلطيخات الثروة. إنه إذا يسود عفة،
يسود روحا، ويسود حاضرا كما ساد ماضيا ويسود مستقبلا. إنه الملك شريفا عزيزا، وإذا
فهو فوق الحكم، فالحكم للأمة عبر ممثليها، عبر مؤسساتها، عبر عدالتها التى تتحرك
ببصر العدالة الثاقب وبصيرة الحق وفضيلة الحقوق.
سنقول يومها بكل فخر واعتزاز، هاهو سيدنا المنصور بالله، وضع حدا
لمسلسل الفساد والإفساد، نسفا لأغوال الريع والمحسوبية والزبونية والاحتكار، وما
شئت من تجبر بليد، يطال أشراف الأمة، رجالا ونساء، ثقافة ومقاولة وإعلاما. هاهو
يضع حدا لبرلمان يتحدث باسم أمة استيقظت طرا وأهله نوم. هاهو أمير المومنين
يدشن معنا حدائق الحداثة ويقول لنا مُرحبا
: أدخلوها آمنين.
وإذا فها نحن نخرج من هذا المسلسل الذى قيل ديمقراطي، وهو ليس إلا
سلسلة وعود خائبة، وعهود مداسة، وتناوب ديماغوجي كذاب، وعدالة ملطخة، وسجون فاتحة
أشداقها كلما ألقي فيها سألت هل من مزيد.
ها نحن نخرج من هذا الإصلاح المخزني الذى يُسوق لنا كما لو كان هبة
ربانية، ولكنه ليس إلا لربح الوقت، حتى تشحذ آليات القمع أمواسها، وحتى تشحذ آليات
الجشع أنيابها تمزيقا ونهبا وافتراسا.
ها نحن مع الملك نتحدى ابتزاز المخزن الذى يصرخ عبر كل الأبواق : أنا
أو الطوفان ! ونحن نقول : أمتنا بعزتها، باتعاضها من دروس تاريخها، وتاريخ ما
حولها، أكبر من كل طوفان، وما عشناه حتى اليوم أكبر من كل الفزاعات، وأكبر من كل
الفخاخ التى نصبت وتنصب لنا.
ها نحن بجانب الملك نحيي هذا الحراك النبيل، الذي بإرادة الأشراف من رجاله
ونسائه، ومساندة الأشراف من نخبة بلادنا النيرة، صالحنا ويصالحنا مع هويتنا، فى
تعددها، فى اختلافها، رحمة لنا وإغناء لديمقراطتينا الناشئة.
لكن إذا استمر المخزن آمرا ناهيا فإن ذلك يعني الهزيمة الكبرى
والانحطاط الحضاري المخيف، ساعتها فإن الحراك النبيل يصبح الحراك الويل ، حراك
الكابوس الأهول والأفظع، كيف لا نصرخ يومها بكل ما أوتينا من قوة : ياويلتاه
استعدنا الصحراء وفقدنا الريف.!!
ثم لا نلبث أن نعود فنصرخ ببحة جريحة فى حلوقنا : وانكبتاه استعدنا جزيرة
الواق واق وضيعنا أم الربيع وأبو رقراق !!!
أحمد بن بنور