Rechercher

dimanche 12 avril 2020

الموت فى باريس بين الكورونا والطعن بالخنجر

رأيت فيروس الكورونا يمر عابرا جادة الشانزليزي. حتى إذا تقاطع معي توقف لحظة، ثم رمقـنى بنظرة شزراء، مُـلوحا بإشارة فهمت منها أنه يضرب لى موعدا منذ الغد.ارتعدت فرائصى وتساءلت :" يالله... أين المفر ؟" وفى اللحظة والـثـو تذكرت تلك الحكاية التي سمعتها منذ عهد بعيد

 

 وتقول أن أحد خدام الإمبراطور،كان يتجول فى المدينة، وبين هذا المنعطف وذاك اصطدم وجها لوجه بالموت الذى سدد إليه نظرة ذات معنى، جعلت الذعر يشل أطراف الرجل أولا، ثم يجعله تانيا يهرع جـريا حتى وقف أمام الإمبراطور : " مولاي إني أُسَـرِّج حصاني منذ اللحظة هذه لأضرب عميقا فى البلاد، حتى سمرقند، فقد التقيت الموت وقد هددنى بسلب روحـى ."

ما أن أعطاه الإمبراطور الإذن بالسفر حتى خلد جـلالـته للقيلولة، فرأى فيما يراه النائم ،  رأى نفسه وقد استدعى الموت أمام حُـضرته، ثم رأى نفسه مُعاتـبا إياه : " كيف تُـرعب مهددا أحد خدامي الأكثر إخلاصا ؟ " أجاب الموت مستغربا : " عفوا حضرة الإمبراطور،أنا لم أهدد قطعا خادمك المخلص، ولكنى فقط نظرت إليه مستغربا، متسائلا عما يفعله هنا، ولى معه موعد غدا فى سمرقند ! وهذه تبعد عنا مسيرة يوم كامل ! "

Le Blog d'Ahmed Ben Bannour

لماذا يذكرنى كل هذا بالآية القرآنية الكريمة " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة " أو ليست الكورونا إلا هذه" .. المنايا خبط عشواء من تُـصب. تُـمِته ومن تخطئ يعمر فيهرم !" كما قال شاعرنا القديم.


نعلم يقينا أن لدينا موعدا مع الموت. لكن موت الكورونا موت آخر. ولا مرة وضعناه فى الحسبان. إنه موت بطعم آخر ، إنه الموت على أسرة مُعـقمة وأقـنعة مُـعـقـمة وممرضات مُعـقـمات وأطباء بعـيون زجاجية مُعـقمة وأياد لا تلمسنا ولكنها قـُفـازات معـقمة تتحسسنا. أما الأهل فممنوع عليهم الاقتراب منا، أو حتى رؤيتنا !... هل هناك أمــَّر من الموت في المنفى ؟ هل هناك أمـرَّ من سكرات المنون فى الوديان المو حشة ؟ ذكرونى بالشاعر سنغـور، الذى لخص كل هذا فى العبارة الرومنسية : " ما أهول الرحيل بلا يد دافـئة فى اليد " وأضيف ولو متطفلا : " ما أهول الرحيل بلا قبلة على الجبـيـن ولا ابتسامة حـنون مُرافـقـة، فى دروب الردى "...


" ما أهول الرحيل بلا قبلة على الجبـيـن ولا ابتسامة حـنون مُرافـقـة، فى دروب الردى "...


فى هذا الجو المشحون بأمواج الأهوال والحداد. فى هذا الجو المثقل بغيوم تمطرنا عقارب فيروسها الذي حقا لا يميز بين كبير أو صغير . لكن من قال أنه يضرب " خبط عشواء" أو ليس يستحلى أكثر أجساد الفقراء، شيوخا كانوا أم رضع؟ أو لا يتسرب أكثر بين خبزهم وملحهم أو ليس هؤلاء" المعـذبون فـى الأرض" هم المستعـذبون فى الأرض ؟


فى هذا الجو حيث العرس الباريسي تحول حدادا..هنا حيث القلوب بلغت الحناجر.. هُـنا رأيت رجلا يغادر الصفوف، يدخل أول متجر، ثم يستل من تحت معطفه القذر خنجر غدره ثم يغمده فى صدر إمرأة، ثم فى صدر رجل، تم فى صدر ولد، ثم فى صدر فتاة..ثم.. ثم .. حتي إذا ارتوى خنجره من الدماء البريئة، هرع للشارع الكبير وهناك جـتا على ركبتيه مُصليا ! وكنت أتساءل : " أهذا المجرم يصلى لله أم يُـصلى للشيطان ؟ متى كان الله جل جلاله يُـبارك الجريمة ؟ متى كان وهو الأجل والأكرم والأعدل والأعظم يـُبارك الجبن والغدر والخسة والفاحشة  ؟ "


لكني كنت أتساءل : " ماذا لو كان الله بعث لنا هذا الرجل حتى يذكرنا بأن هناك فيروسا آدميا أقبح من الفيروس الذى نحن له مجندون ؟ فيروس التطرف الأعمى . يُـذكرنا أن فيروس الكورونا قد ينتهي أجله فـيموت. لكن هذا الفيروس المتطرف شيئ آخر إنه المقيم بيننا، إنه يعاشرنا صبحا وعشيا، ونحن فى غفلة من أمرنا، لا نعرف متى يستل خنجره المسموم ليدسه فى ظهورنا، أو ظهور نسائنا، أو أولادنا ؟ "


Le blog d'Ahmed Ben Bannour

هذا الرجل الجبان، الذى قتل هؤلاء الأبرياء، يقول إنه لم يـقـتل إلا " كُـفارا "! هل يعلم لحظة أنه لو أصيب بالفيروس أو أي مرض قاتل ، نعم لو أصيب بذلك المكروه وهو في هذه الديار، لكان هؤلاء "الكُـفار" لا يسألونه عن أصله أوفصله، ولا دينه أو معتقده، ولكنهم كانوا يأخذونه مُسعـفـين إلى المستشفى، وهناك يُنظـفونه، يـُطعمونه، يُـداوونه بكل تفان وكل إخلاص، وأكثر من هذا قد يعرضون حياتهم للخطر من أجل أن يـحـيا.


  أما كان حريا بهذا المجرم الـغادر أن يطرح السؤال : هل هناك شئ من هذا في البلاد التى جاء منها، بلاد الاستعباد والاستبداد بلاد القهر والفقر؟ أو ليست نفسها تلك الهياكل الراسخة فى وحل قناعاتها الصدئة تلك التى كلما تجشأت، كلما تمخضت، إلا وأنجبت هذه الظواهرالتي تـقـذفـنا بها والتى تلتقى مع الظاهرة الفيروسية فى كونها تقتل " خبط عشواء" أو ليست تختلف معها إلا فى طاقة العدوى المحدودة فى تنفسها ؟ من هنا سُعارها، من هنا انتقامها أنيابا وأضافرا وخناجرا ومناجلا ، أي كل ما أفرزته قرون الأسلاف الـغـابـرة.

من قال الوباء وباء ؟ وكيف. وهو الآلة الصماء البكماء تضحك ساخرة راقصة مع التعصب الجاهل الأعمى ؟ من قال أن " طاعون " البير كامي هو فيروس خبيث أنجبته فـئران المجاري ؟ أو ليس إلا الصورة المجاز لنازية أو فاشية أو أصولية تقتل فى الإنسان إنسانية الإنسان ؟ أو ليست هذه نفسها هي المتخمة بحقيقتها المقدسة،وأنانيتها الغرائزية تطعن بالخنجرتارة،وتارة أخرى تتحول قنبلة آدمية، لكنها متى تمكنت من أدوات الدمار، فإنها تشن حربا مخزية، لا تحط أثقالها حتى ولو ارتوت من كل الدماء، دماء كل الأبرياء، حتى لو سحقت كُـل البراعم، براعم كل الشواطئ، وكل الأشعار، وكل الأناشيد، وكل الربيع 

الدكتور أحمد بن بنور