انهارت الحسابات ، انهارت إمبراطورية العُـنجهيات . إرم ذات العماد، لم تعد إلا أطلالا " تلوح كباقي الوشم فى ظاهر اليد". لكن كل هذا الزلازل، ليست إلا فـُـليفلات فى خياشم أهل سعود، ذلك أن الانهيار الأخطر، والخسارة الأعظم، لهي خسارة المستقبل، ومعه السمعة الأخلاقية، والرأسمال الرمزي الحضاري. ماذا يتبقى لأصحاب السُّمو غير الرقص مع "كورونا" رقصة طائر مذبوح، لا يرقص نشوة، ولكن غـيضا وعض أصابع الندم، على فـُرص ضاعت بين زق وقينة، وبِـطـنة وهز بطـن ، وولاء تحول من ركوع أمام الله، رب البيت العتيد، إلى ولاء لرب" البيت الأبيض" المجيد
فما الذى جري ؟ عندما وصل الأميرمحمد بن سلمان للسلطة، توسَّـمنا فيه كل الخير، أو ليس شابا يعبرعن طموح يَعِـد بـتجاوب مع أحلام الربيع العربي فى التحرر؟ أو ليس يملك بين يديه أبواب خزائن الدنيا، وهل هذه إلا خزائن العـزة ؟.... لكن ما أشد دهشتنا ونحن نراه يفتح أبواب جهنم. رأينا أطفال اليمن يُحرقون بلهيب القنابل والكوليرا، رأينا الصحافى اللامع خاشقجي يتقدم بخطى واثقة . أو ليس يدخل البيت الآمن ؟ لكن ما أن يدخل حتى تتلقفه أفاعي الجحيم لتخنق أنفاسه ثم لتقطعه إربا على وقع الموسيقى الهمجية ! ثم رأينا النساء المعارضات، فتيات مشرقات كأنفاس الفجر، يُـزجُّ بهن فى غياهب السجون، وغيابات الوحل والاغتصاب والدموع ... ورأينا الحصار الغاشم ضد قطر.. ورأينا الرجال الأشراف، رجال الرأي الحر، والكلمة الصادقة يهرعون كل لملجإ وملاذ، وإلا فالسجن سبع أراض طباقا.... هل أتوقف هنا ؟ كيف وجهنم ضمآى، كلما ألقي فيها سألت هل من مزيد ؟
سؤال يلح علي أيما إلحاح : هل يعتقد سُمو الأمير أنه سيحكم بما تُـمليه عليه الإيديولوجية الوهابية المُتـفسخة ؟ متى كان فكر الصحراء إلا صحراء الفكر، مالم يعانق إشكاليات الفكر الإنسـي وعطاءات القرائح المُستـنيـرة ؟ أو ليس هذا الفكرالصحراوي المتدتر بأسماله وأنصابه وأزلامه لا يقود حتما إلا للركوع أمام الحضارة الأبهى والأقـوى، أو ليس هذا الفكر إلا نبع السموم يغـذي عُـقـد النقص وعُـقـد التبعـية وأنانيات الاستبداد، والبحت الدائم عن وصي أو عـرَّاب جديد.
وهنا بيت القصيد أو ليس يقود كل هذا لتناقض مريع.. من جانب الشرعية كل الشرعية للثراث المتكلس، فبضله نحكم الشعب الغـلبان، ومن جانب آخرالانحناء كل الانحناء للوصي الأب المُـتَبـنــَّى. نعم، نعم، إنه عنصري، مسيحي طهراني، وصهيوني ثوراثي، يقطر عداء لكل ماهو عربي إسلامي، ولكنه على حق، فهو العالم الجبار، وهو الأبهى والمتألق أنوارا تخطف الأبصار. أو ليس وقاحة أن نقف ضده، ومن نحن ؟ أو لسنا إلا عُـربانا قيل عاربة أو مُستعربة لكنها فى كل الأحوال غاربة. أو ليس أمامنا إذا إلا الاستغراب بمعنى تَـبَـني مطالب الغرب لا فلسفة أنوارأو حقوق إنسان. كلا وألف كلا بل رأسمالا متوحشا ، ولبرالية فَـضَّة، ودوسا على المبادئ الديمقراطية. ثم ماتعـنيه هذه الكلبة الجرباء المسماة ديمقراطية ؟ أو ليست إلا الطفلة الرضيع فى عالمنا الإسلامي ؟ أو لم يكن أجدادنا الأبطال يَـئِـدون البنات بدفنهم أحياء اتقاء لشرورهن ؟ فكيف لا نتحلى ببعض شجاعة، فـندفـن بدورنا هذه الطفلة البغـيضة، وهكذا نتخلص للأبد من ويلات ما تَـعِـد به من حرية حرام ومساواة قـذرة ؟ إنها اليوم فى عوالمنا القبلية مجرد طفلة في المهد، لكنها منذ الغـد عاهرة تُـشـنـف آذاننا بأناشيد كلها زندقة وهـتكا لستارالحياء الحشمة .
يجب أن نعترف أن الثورة الحقيقية التى أنجزها محمد بن سلمان لهي القتل الرمزي للأب، وهكذا اكتشفنا هذا التحول من الكعبة المقدسة إلى واشنطن الأقـدس، من المدينة المنورة، إلى لندن الأنور، من مكة المكرمة إلى تل أبيب الأكرم. وإذا وككل ثورة جديدة فإن الولاء الجديد يقتضى سياسة الأرض المحروقة . وكانت الحرائق تشتعل حيتما تحرك أعداء الوالد البهي الآمر الناهي. فى سوريا، فى اليمن، فى ليبيا، ومع هذا، التربص يقضة بالأعداء المتململين فى العراق، فى الجزائر، في مصر، فى لبنان ......أو ليس المطلب الديمقراطي العربي الأسلامي، هو اليوم الشوكة الأقبح فى جوف الأب العملاق ؟.
أعترف أن سمو الأمير ضحك علينا فى مطلع عهده، عندما أعطى الحق للمرأة فى قيادة السيارة، لقد ابتسمنا ساعتها مرددين : " أول الغيث قطر " وكان الأمر كذلك. بعد القطر إنهمرالمطر. لكنه مطر غريب لم يكن إلا بارودا فى الحلوق، وعدالة جاهلة تجلد بالسوط وتجز الرقاب بسيوف صدئة ،ومنظومة عبودية تستعـبد المرأة وتسحق المهاجر... والقائمة مفتوحة على مصراعيها ولا تزال...نعم ضحك علينا لأننا صفـقـنا لقيادة المرأة للسيارة، وكان حريا بنا أن نسأل: متى كانت المرأة تُـطالِب بقيادة السيارة، فكيف ، وهذا حق مشروع وواجب تربوي ورُقـي حضاري! هل كنا سذجا ؟ أو لم يكن الواجب يومها يُـملى علينا أن نقف بجانب المرأة السعودية فنطالب بحقها لا فى قيادة السيارة، ولكن فى قيادة السفينة، سفينة العدالة، سفينة المساواة الاجتماعية، سفينة المؤسسات الديمقراطية، وأخيرا حقها فى الخلاص من عباءات الوصايات العشائرية الظلامية.
سؤال أطرحه بحرقة فى الأحشاء: ماذا لو أدرك أهل سعود أن الدولة السعودية هي الدولة المسخ، مقارنة مع دولة الحق والقانون، كما يحلم بها أهل المملكة، وكما يطالب بها نساؤهم النبيلات ومعارضوهم الأشراف ! ماذا لو أدركوا أنهم بسياستهم هذه يحكمون على بلادهم بالضرب عميقا فى أودية التبـعـية والتخلف، والتخبط فى صحاري الهوان! ماذا لو أدركو لحظة أن السياسة فـن الممكن والواقع، لا غرائز العـشيرة وأنانية القبيلة! ماذا لو كان عليهم الإجابة عن هذا السؤال: هل أنتم فى خدمة مشروع أمتكم الحضاري أم ترى فى خدمة مشروع الـعـدو الحضاري؟... دلونى رجاء على زعيم شيدت له أمته تمتالا فى ساحاتها العامة، أو نقشت إسمه فى ذاكرتها وهو المحارب ضدها فى صفوف أعدائها؟
" كيف نفسرهذا
الخراب اللاجميل ؟ قال لنا الله تعالى : كونوا خير أمة أُخرجت للناس، فـقُـلنا
معاذ الله، نفضل أن نكون أرذل أمة، أُخرجت للناس، تُـبصق عن المعروف، وتأمر
بالمنكرٍ"
كم كنت أتمنى أن أرى سُموه، أميرا عربيا شهما وكريما، أعطاه الله من كنوزه ما لا يُحصى، وإذا فحيتما حل فى ربوع وطننا الكبير، إلا ودق أوتاده، نشر خيمته، ومد يدا بيضاء كريمة تشق الأنهار، تطرد الجفاف، وتخصب الحقول. حيتما عبرإلا وترك مدرسة، أو معملا، أو مستشفى، أو دارا تأوي ذوي الحاجة من المسنين والمعوزين. بل كنا نرى تلك اليد الكريمة تجتاز البحار، ولا تقف إلا وقد نزلت رحمة على أشقائنا المسلمين المداسين فى الصين فى الهند . لو كان فَـعَـل، لكنا ننحني أمام شخصه المهيب. ولكُـنا نرى فيه القائد المُـلهم، ولكُـنا جنودا مجندين فى خدمته . لو كان فَـعَـل، لكان كل هذا الغـيض والأسى فى مقالتى هذه تحول أنشودة فخر، واعتزاز، وولاء لا تنفصم عُــراه.
لو كان فَـعَـل، هل كنا نستيقض من حلم تحول كابوسا ؟. من وعود بهية أصبحت رمادا ؟. من كنوز لا تُحـصى أضحت فـُـقـاعات ؟ . من حدائق غناء أصبحت قِـفـارا ؟.من طيور السنونو شاديات على أغصانها تحولت غِـربانا وحـدادا !!!.
الدكتور أحمد بن بنور