ترومب بين ثورة الجياع و الخزائن المتبخرة بالبيت اللا أبيض
هل يشك أحد في أن الرئيس ترومب مصاب بالسُّـعـار؟ .. نعـلم
جميعا أن العالِم الجليل باستور، اكتشف منذ عهد بعيد المصل المُضاد لهذه الجَهالة
الجهلاء. فكيف لم يستفـد الرئيس الأمريكى من هذا البلسم الذي يشفي ويُعـفي في
اللحظة والتو؟ لكن ماذا لو كان سُـعار الرجل يستعصي على كل لقاح. كيف لا والأحلام
الجبروتية تنهار كقصور مُشـيدة على رمال متحركة ؟ كيف لا وصفعة الفيروس النكراء زعزعت
أركان البيت المقدس، معقل اللبرالية المتوحشة ؟ أو لم يترجم كل هذا ضربة قاتلة للنرجسية
الترومبية التي حتى اليوم لم تكن تنتظر إلا
وثيقة استسلام من البشرية؟.. ركوعا أمام العملاق الذي ينشر ظله على
العالمين ولو كره الكافرون.
ترومب الراقص في عرس النصر الخالد، نصرالرأسمالية
المتوحشة، يكتشف والدهشة تعقد لسانه أن رأسماليته مُعـفـرة بالتراب تحت العاصفة
الهوجاء لعدو لا مرئي إسمه كورونا، وأكثر من هذا يكتشف الجثث تتكدس بعشرات الآلاف أمام
تمثال الحرية ! ويكتشف أن الجبروت الأعظم يملك الصواريخ عابرة القارات لكن العدو
الجديد يـعـبُر القارات بسرعة أكبروقدرات تخربيبة أقبح وأهول . كيف لا يصاب الرجل
بالسُّـعـار وهو يكتشف أن هؤلاء الفقراء الذين لم يكونو ليهزوا ولا شعرة في رأسه هم
اليوم قنابل بشرية تنفجر تُـباعا في البيت الأبيض، أي في عرين الأسد الذي أصبح أضيق من جحر الضب وصاحبه
لا سبعا ولكن دُبًّـا يُـسـمع له شهـيق وزفـير ....
المسعـوريكتشف ما لم
يتوقعه فى أقبح أحلامه : يصطدم بالدولة الاجتماعية تلك المضحوك عليها، وحدها
القادرة على إنقاذ البلاد والعباد من أنياب الفيروس، وأنياب الآليات المالية
الرعناء تلك التي شيدت أمجادها تبولا على حقوق العراة في التطبيب، في التعليم، في
الاقتسام العادل للثروة. نعم، لقد تبولت على كل هذا ماشاء لها التبول وقال فقهاؤها
يومها أن ذلك البول ليس إلا الماء المقدس باركته كنيسة في خدمة عباد الله القانتين
الطيعين الصالحين.
كيف لا يصاب الرجل بالسعار والحالة هذه ؟ إنه يشتم الصحافيين،
فهم كذابون يروجون أخبارا زائفة ! أو ليس هذا الذي يسمَّى في علم النفس
"نكران الواقع"، أي غض طرف وتجاهل فرويدي؟ بإسدال ستار ثقيل على الحقيقة
المزعجة بشاعة. إن الأخبار التي تنشرها الصحافة من مصادرها مهولة، إنها تزلزل
أركان المعـبد المقدس، إنها تشير إلى أن أمريكا ليست بالجمال الذي تدعـيه، ولا
بالقوة التي لا تقهر، بل أكثر من هذا، الحلم الأمريكي المروج له بكل الأبواق ليس
إلا كابوسا ناريا يشوي أجساد المستضعـفـيـن، وأن أمريكا التي تنتج الطائرات
والباخرات والقنابل والصواريخ لزرع الدمار والخراب عبر العالم، لا تعرف كيف تنتج
للفقراء من مواطنيها كمامات، ولا تعرف كيف توفرلهم أسرة مجهزة ولا طواقم طبية، ولا
مراوح هوائية. كيف يتقبل المليونير الرئيس هذه الأصابع السهام مشيرة لطوابير
الجائعـين ينتظرون قطعة خبز وكأس حساء ؟ كيف يتـقـبل هذه الأخبار لهذه الأجساد
المتراكمة في الساحات العامة لا تكاد تجد سقفا يأويها شر الجوع والسعال؟ كيف يتقبل
هذه الوقائع وكلها موثقة صورة وصوتا بشهادات مرتعشة تقطر دموعا ولوعة ويأسا ؟ إنه
المسعور يكاد يُجن. هل يمكن أن يحصل كل هذا؟ أو ليست القيامة وساعة الحشر؟ فهل يُعقل
أن يتخلى الرب اليسوع عن الطاهرين المطهرين من أهله وعشيرته الأقربين ؟ هل يمكن أن
تكون هذه الكورونا البغيضة إلا الفرجة بحجم الكون، حيث الرأسمال المتوحش يُحكم
عليه بممارسة استريب تيز، حتى يبدو عاريا كما هو بلا مساحيق؟ الفرق الوحيد أن
فتيات استريب تيز يُـبديـن ماخفي من مفاتنهن التي تلهب الشهوات. عكس هذا فإن
الرأسمال المتوحش يرى قمصانه المطرزة بأسلاك الذهب تسقط عنه بفعل العاصفة
الكورونية المدمرة فإذا بمفاتـنـه مُتسخة مُتعـفـنة تثير القيئ والاشمئزاز.
إن سيل الدهشة لا يكاد
يتوقف، ولأن الدهشة بداية الفلسفة فإن فيض الأسئلة لا يتوقف كأني بها حمما متلضية
في أوسمة تبدت من قصدير صدئ باهت. إن الأسئلة الخلاص تقرع جبين الأجوبة الكاذبة
الخنوع : " ماذا جنته الإنسانية المعذبة من هذه العولمة التي ليست إلا الوجه
الآخر لهذه الأنانية الجشعة ؟ماذا جنته من هذه السوق الحرة بلا وازع ولا رادع حتى
لكأنها السوق المرة ؟ ماذا جنته من هذه الخوصصة وهذا الصندوق، صندوق الأفاعي الدولية
لا صندوق النقد الدولى؟ ماذا تم كسبه من تقليص أو إلغاء الدعم للقطاعات
الاجتماعية؟ ماذا تم كسبه من إطلاق العـنان للأنشطة التجارية والمقاولاتية في غياب
أدنى ضبط ولا رقابة ولا بنينة؟ ماذا جنته من نزيف الرساميل الوطنية تهريبا واستثمارا
وتراكما في الجنات الضريبية ؟ ماذا تعـنيه ثـقـافة الاستهلاك بهذه العادات
الغذائية والشرابية وكلها تصب في خزائن الاحتكار؟ وماذا عن هذه الصواريخ وهذه
القنابل وهذه الطائرات وهذه الراجمات الساحقات تدك أرضا هنا وتحكم على شعب هناك
بالفقر والدمار والتشتت ؟ وماذا عن هذا السند المطلق للدكتاتوريات المطلقة ؟ ثم في
خدمة أي لوبي قـذر هذه الصناعات وهذا النهب الممنهج لخيرات الأمم ؟
يقول حضرة الرئيس أن هذا الفيروس صيني المنشأ والهوية وقد صُـدر
إلينا!! لكن ياحضرة الإمبراطور، هب أن الأمر كذلك، فإن السؤال ليس هنا ولكنه فيما
أعددتم من قوة ورباط صواريخ تواجهون به مؤامرات عدو أنتم في منافسة معه لا ترحم، اقتساما
لخيرات هذا العالم البائس. وإذاهل تـنتـظرون من عدوكم أن يبعث لكم باقة ورد
إحتفالا بعيد شم النسيم ؟ إذا كان العدو صدر لكم هذا الـفـيروس وأصاب منكم مقـتلا
.. أو ليس ذلك لأنكم مجرد أعجاز نخل خاوية ...؟
كل هذا وحضرة الرئيس ماض في سُعاره فقد أوقف المساعدات عن منظمة
الصحة العالمية بدعوى أنها جماعة منافقين، يعملون في خدمة الشيوعية الصينية ! لكن
الرئيس عودنا حتى قبل موجة السعارهذه، بقرارات من هذا الصنف الصادم لشعورنا. أو لو
يوقف المساعدات على منظمة اليونسكو، لأنها نددت بالعـنصرية الإسرائلية ؟ أو لم
يقطع المساعدات عن الأنروا في خطوة خنزيرية تركت مئات الآلاف من أبناء الشعب
الفلسطيني في العـراء والجوع ؟
إن سعار الرئيس يدفع به لنهش حتى مساعديه الأقربين. إنه يرسل
تهديداته عبر كل الأصقاع. وبالطبع فله ألف عذر في ذلك، وكيف لا، والآلية الإنتاجية
متوقفة والاحتياطات النقدية تبخرت والحسابات البنكية تلاشت، وملايين العاطلين
يسألون الحد الأدنى من المساعدة، والبترول لم يعد يساوي ولا أذن بعـيـر... هاهي
الديون تتضخم، هاهي قيم البورصة تـتـداعى، هاهو الحلم الأمريكى الهوليودي يتجلى
مسخا ودرا للرماد في العيون، وها نحن نكتشف بلد الرفاهية والمجد والصولة والصولجان
يتخبط في "عناقيد الغضب". تلك الرواية الخالدة، لذلك العبقري الملهم "استين
باك" الذى رسم كل هذه الفواجع : عشرات الملايين من البؤساء يضربون في طول
أمريكا وعرضها بحتا عن مضغة خبز أو جرعة ماء.
إن سيل الانهيارات لا متوقف، ومعه معالم عهد جديد، فلعله من
نافلة القول أن كل هذا ينذر بسقوط العملاق الأعـظم، ويبشر بنظام دولي جديد. نعم
نظام عالمي جديد أو مكنسة عملاقة تكنس هذه الحقارات، هذه الويلات، هذه العجرفة
الإجرامية التى زرعت فى الأرض خرابا ودمارا .إن الإنسانية الجريحة لا تطمح لشئ كما
تطمح لطي هذه الصفحة المخجلة... يومها سيكون
عيدا فى عرس الإنسانية. يومها سنصفق لأمريكا
المنتصرة، أمريكا الأخرى أمريكا التي نحب، بل نهيم بها غـراما. إنها أمريكا
تشومسكى، أمريكا طونى موريسون، أمريكا مارتن كينغ، أمريكا إدوار سعيد، أمريكا
ساندرز. أي أمريكا الرجال الأشراف والنساء الأبيات، الذين يحلمون بتشيد صروح النور
حتى تطرد كل العتمة وتعيد للإنسان إنسانية الإنسان.
الدكتور أحمد بن بنور