هل أتاكم حديث كاميليا جوردانا ؟ Camélia Jordana
ماذا لو حدثتكم عن إمرأة هي الدنيا، ولأنها كذلك
فقد أثارت الفتنة في بلد الحضارة، أي فرنسا. البلد الذي أحطت فيه الديمقراطية
رحالها، واستسلمت لشخيرها، تلوك أمجادها الخالدة، كأني بها في انتظارإمرأة تهزها،
تذكرها أن النوم عديم الجدوى، في غياب التمرد المقدس، عريسا يُخصبها في سريرها.
نعلم جميعا ما الفرق بين الشعراء والفقهاء. هؤلاء
الأواخر، يحذرون من المرأة وشرورها، أو ليست فِـتـنة ؟ هذا مايجهرون به في منابرهم،
وإن كانوا في غسق الظلام، يزحفون على أربع، لينهلوا من نبع الفتنة ذاتها، مرتعشين
معبرين خفية عن لواعج الفؤاد المعذب. أما الشعراء
فإنهم يعشقون المرأة، لا لشيء إلا لأنها فـتـنة. إنهم الملاعين يرون هذه
الفتنة جوازا سحريا نحو تحرير العواطف المكبلة، والأحاسيس المقتولة، و الاستيهامات
المداسة.
أو ليس كل هذا يعني نهاية الأبواب الموصدة؟ و الأقفاص
الفكرية المعتمة ؟ أو ليس هذا سبيلهم للخلق فالإبداع، أي الخروج من خيمة القبيلة وعباءات
العشيرة، حيث العقل، والعواطف، والأجنحة، أضحت هشيما مُصْـفـرا، وإلا فمومياءات مقمطة،
في متاحف الأسلاف القانـتـين الصالحين.
دلوني على رجل ذي همة، إفـتـُـتـن
بامرأة ولم تـتـفجر في جوانحه ينابيع الإبداع والتمرد الخلاق؟ فإذا بالرؤية
البائسة أفقا مشرقا، وإذا بقتامة اليومي الروتيني شرارات وإلهاما، وإذا بالقدرية
الخنوع، دعوة للجلوس على طاولة المفاوضات، لتعديل الحـدود بـين هذا الحـلال الزؤام،
وذاك الـحـرام الـزلال؟
ما قيمة إمرأة لا تُـفـتن؟ ماقيمة إمرأة حكمت
عليها التقاليد البائدة أن لا تكون إلا دمية مطاطية منفوخة ؟ تتحرك في عـباية العـيب
والظلام. أو ليس ذلك لأن التقاليد تخاف الفتنة، لأنها تعلم يقينا أنها تحية من
الإنس والجن للجمال، وقد أبحر في دنيا الإبهار؟
كاميليا جوردانا. هي ذلك النوع من النساء الذى يدعوك
لرحلة بتذكرة ذهاب بلا إياب. وإذا فهي إمرأة تدعونا لرحلة تعصف بكل العلامات. إنها
ذاك النوع من النساء الذي استوى على عرش الأنفة النسائية، التي ألهمت الشعراء
والروائيين، وكبار الأدباء، أي كل أولئك الذين دانت لهم قوافي البلاغة برقابها، فانْـقـضوا
على حِـجابها ونقابها.
في حوار تلفزيوني مع القناة الفرنسية الأوسع
إنتشارا، وبجانب أعلام الفكر والثقافة، وبعـفوية آسرة إنطلقت جوردانا في حديث مسهب
عن القهر المسلط على شبيبة الأحياء الفقيرة، والضواحي الباريسية المهملة، وكيف
يتصرف البوليس معهم بعنجهية قاتلة، وزادت فقالت إنها العجرفة البوليسية الطافحة
عنصرية قذرة.
لم تكن إلا بضعة كلمات، كان يمكن أن تكون عابرة،
لكن ولأنها صدرت بلغة الغضب والإصرار والتحدى، فإن الوقع كان عنيفا وصادما. هذه
الكلمات التي لا أعرف قيلت همسا أم رعدا مدويا، لم تسقط في أذن واحدة صماء. منذ
الغد إنتفض رجال الإعلام، وانتفض رجال البوليس، وانتفض زعماء الأحزاب اليمينية،
وانتفضت بعض الجمعيات المدسوسة، وانتفضت الأقلام العنصرية الفاسدة والمفسدة،
وانتفض وزير الداخلية فقال : "هذه تصريحات غبية" وكان السؤال المنطقي:
متى كانت التصريحات الغـبيـة تخلف كل هذا الوقع ؟ وتشعل في أطراف الدولة العتيدة
وممثليها الأشاوس نيران الغيض الدفين؟
وهنا السؤال: لم كل هذه الحملة، بهذه الأحقاد الملتهبة
ببهارات الغرائز العتيقة؟ أو لسنا في مجتمع يـقـدس حرية التعبير؟
كما تتفرع الأسئلة كذلك
الأجوبة: وهاكم بعض غيض من هذا الفيض. لكني يجب أن أشير أولا أن تصريحات كاميليا،
كانت حدسا مدهشا، فمنذ الغد إنتفضت أمريكا ولا تزال حتى اليوم ضد العنصرية
البوليسية القذرة. ومنذ غداة الغد إشتعلت فرنسا بدورها ضد مقتل شاب مسلم إفريقى أدما تراوري، من طرف
طغمة من البوليس العنصري. وكانت المظاهرة التي جمعت عشرين ألفا من المواطنين
الفرنسيين. وفي هذه المظاهرة أخذت كاميليا الكلمة، وأكثر من هذا غنت بصوتها العذب
الأغنية الشهيرة التي تعود " للفهود
السود" الأمريكيين.
وإذا فهذه المرأة استبقت
الأحداث، بحس إعلامي مدهش، وحدس إجتماعي يستحق التنويه؟ فمن ذا الذي ألهمها
موقفها هذا؟ أو لسنا هنا أمام عـزة المرأة بامتياز، وقد إستوت شجرة باسقة منددة
بنذالة القهر البغيض؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلم كل هذا الحقد؟ ماذا لو حاولنا الإجابة عن سم هذه
السهام المسددة. يجب الأشارة أولا، أن كاميليا نجمة سينمائية مشهورة، وقد حصدت
أرفع الأوسمة، في أهم التظاهرات السينمائية العالمية، ويجب أن نضيف لكل هذا أن
كاميليا فتاة ذات جمال تجعل رجلا في سني يشتعل حنينا لأيام مراهـقـته. ويجب أن
نضيف لكل هذا أن كاميليا فتاة عربية مسلمة. هذه النقطة الأخيرة كان يجب أن تكون
الأولى في حديثي لأنها النقطة التي جعلت الكأس العنصرية اليمينية تفيض، لتغرق
أصحابها في ثمالة شتائمهم وخسة ادعاءاتهم.
نعلم جيدا ما تعنية الأرضية
اليمينية المتطرفة، وما يتفتح فــي مستنقعاتها من أزهار الشر. وهذه بعض من أسئلة
تلك الأزهار السامة: متى كانت إمرأة مسلمة تستقطب كل هذا الإهتمام، وتنير من حولها
كل هذه الأضواء؟ متى كانت إمرأة مسلمة تتقدم أمامنا بكبرياء واعتزاز، فخورة
بهويتها، شاهرة جذورها، متضامنة مع بني جلدتها؟ متى كانت المرأة المسلمة إلا
المسكينة المحجبة، تلك التي نكتوي لوعة ودفاعا عن حقها في الوجود؟ متى كانت المرأة
المسلمة إلا تعبيرا عن المجتمع العربي المسلم، مجتمع الفقر والقهر والهوان؟ متى
كانت المرأة المسلمة إلا الـدَّمدومة الصماء البكماء، لا تحسن إلا الانصياع
والطاعة العمياء لبطش وسوط سيدها؟ فبالله، وبقدرة أي قادر خرجت هذه المفعـوصة، التي
وبجرأة الوقاحة، إنتفضت فقلبت الطاولة على المخيال الغربي المسيحي يهودي، أي
الحضاري العظيم؟
وانطلقت الأقلام، وقد ألقت أرضا
لجامها، أقلام أشباه المثقفين وأشباه الكتبة، إنطلقوا بحثا وتنقيبا عن جذور هذه
المرأة، فلعلها كاذبة، و قد تكون فرنسية تضع قناعا إسلاميا؟ فأرض الإسلام ما كانت
تنجب هذه الشعلة، ولا هذا البهاء. لكنهم اكتشفوا، ويا لهول ما إكتشفوا: إنها حقا
مسلمة، بل وأكثر من هذا فجدها لوالدها، كان أحد كبار القادة في جبهة التحرير الوطني
الجزائرية !!
وفي لحظة. إنجلى الغـبار، سقط الستار. كاميليا
تحمل في دمها جذور الإرهاب، وسم العداء للدولة الفرنسية. فكيف نستغرب أن تكون
المتآمرة على أم الحضارات، صانعة الإنسانيات؟ كيف نستغرب أن تكون إلا حمالة الحطب، لإشعال نار الحرب الأهلية في مدينة
النور؟ كيف لا تكون إلا حصان طروادة،
يحتضن بين صفائحه جنود الفتك المهول،
يتقدمون بلحاهم المغبرة وسيوفهم الصدئة صفا صفا، للإجهاز على الكفرة الفجرة؟
أعترف، لأول مرة كنت أرى الإعلام
الفرنسي. لأول مرة كنت أرى اليمين العنصري البغيض. لأول مرة كنت أرى هؤلاء وأولائك،
يعانقون فقيهنا المعمم، ويوجهون معه أصابع الاتهام للمرأة الفتنة، المرأة الشيطانة
التي أخرجت أبونا آدم من جنة الخلد. لأول مرة رأيت هؤلاء و أولائك، يشيرون بأصابع
لا ترتعش، للمرأة المذنبة تمارس رقصة الخطيئة
في وضح النهار مع إبليس الرجيم، وتوقع بلا وجل وثيقة الطلاق بين الحرب والسلام،
حتى تعصف بالحاضرة في مغامرة الخراب والدمار.
لأول مرة كنت أرى مرأى العين،
حمامة نوح تحمل غصن زيتون، من صحاري إستبدادنا، لتذيع علينا هذه الأنشودة :" ويحكم،
إنه الطوفان ينجلي، إنه الليل يتنفس عن صبح جديد".
الدكتور أحمد بن بنور