والله احْـشومة آ السِّي لوزير
لعلك تستغرب هذا العنوان، ولكنك وأنت سيد الحِشمة، تعلم يقينا
أن الإخلال بالحشمة، يعني هتك ستار الحشمة. ساعتها، فإن الأمر لا يتعلق بقفزة نحو
المجهول، ولكن بقفزة نحو العيب و المسخ. و المسخ في ثقافتنا ليس شيئا آخر إلا
التنكر للهوية، وصبغ الشارب، وإرسال خُـصلات اللحية شِـراكا و فخاخا.
قد تعـتـبرني مبالغا، لكن أو ليس هذا موقف المجتمع المدني،
والشخصيات التي تمثل النخبة المثـقـفة ؟ و إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعنى أن هناك
تفاوتا لا قعر له، بينك ومعك حكومتك وهذا المجتمع المدني ! ويكفي أن أشير ما دُمنا
في مجال القانون، إلى التدخلات المُشـرِّفة
والمنيرة في هذا المجال للأساتذة محمد الهيني وعبد الفتاح زهراش وغيرهم.
وحتى نكون واقعيين، نقول أن هناك تـفاوُتان. التـفاوُت الأول
يعني أنك وحكومتك متكلسون في قناعاتكم الإيديولوجية الدينية البائسة والعتيقة، في
حين أن نخبة الأمة تتحرك بعاطفة الحداثة، ومنطق دولة الحق والقانون. من هنا
انتفاضة الغضب هذه، ضد من يجرؤ على المساس بحقوقنا المؤسساتية، فنحن نحلم
بالديمقراطية والرفض المطلق لدولة الخلافة الراقدة في كهوف أشباحها المعتمة، فهذه
لا تعِـدُنا إلا بالسوط جلدا والصلب قطعا للأيادي والأرجل من خِلاف. كلا نحن نحلم
بدولة الحقوق والضمانات والحماية الاجتماعية،أي دولة تـُـبادلنا ونُبادلها الولاء
المتبادل، والتقدير، والفخر، والاعتزاز.
التفاوُت الثاني، يكمن في منظورك ومعك حكومتك. فأنتم تعتبرون
إمرأة بائسة ورجلا بائسا، أي لا يملكان سندا ولا عضدا، هما إذا مجرد سِـقط متاع،
من واجبهم أن يكونوا في خدمة أولياء الأمر، بالشروط التي يفرضها أولي الأمر، أو
ليس أولياء الأمر هم من اصطفاهم الله؟ أو لم يفضل الله بعضا على بعض في الرزق؟ ومتى
تساوَى راكب بُـراق مجنح، وراكب حمار أضبرا أغبرا ؟
وإذا كان الأمر كذلك، وهو حتما كذلك بقوة الشريعة المطهـرة،
فماذا تعنيه هذه الاقتطاعات الشهرية لصالح تقاعد أو صحة أو ما لا أعرف من تُـرهات.
أو ليس التقاعد يعني الغد البعيد، وهذا أمره عند الله، ومن الشرك التكهن بالغـد
بعيدا أم قريبا ؟ وكذلك الصحة، فهذه بيد الله، فهو وحده إن مرضت يُـشفـيني أو
" يَـدِّيـني".
أو ليست هذه الاقتطاعات الشهرية إذا إلا بـِدعة دخيلة، استحدثها
الكفرة الفجرة، بتواطؤ مع الخوارج الفسقة، الذين سموا نفسهم أهل الحداثة، لأنهم لا
يميزون بين الحدث الصغير من الحدث الكبير !
فتوى الشمن دفـر
نحن هنا في عز المنطق الأصولي، وليسمح لي القراء أن أتوقف عند
هذا المنطق، كما جاء في هذه الواقعة التي تحكي أنه عندما ظهر القطار بالعربية
السعودية ـ ( وكانوا ساعتها سموه باسمه الفرنسي مُسَعْـودا فقالوا الشمن دفر.chemin
de fer ). جاء مجموعة من الناس مهرولين يطلبون من العلماء فتوى تجيب عن هذا السؤال
الخطيرالمُحير : هل حلال أم حرام ركوب هذه البراميل المتدحرجة واحدة بعد الأخرى؟
فكر العلماء في الموضوع ثم أصدروا فتواهم وتقول : "ويحكم يا عباد الله ،عودوا
لصوابكم، أتتركون خيل وحمير الله، وبُعـران وبغال الله، وتركبون الشمن دفر، وهو من
صُـنـع من كـفـر؟... والله إنكم لفي ضلالكم تعـمهون".
القول هنا ما قاله الشاعر: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !
ها نحن بعد عشرات السنوات من هذه الفتوى الربانية، ها نحن نرى
وزير حقوق الإنسان في بلادنا، يصدر هو الآخر فتواه مصرحا انه عرض الأمانة على
صاحبتها فرفضتها، وأنه وهب أهلها ثلاثة وعشرين مليونا إبتغاء مرضاة الله، فماذا
تريدون أكثر يا أهل الفسوق والعصيان ؟
لكن أهل الفسوق والعصيان سجلوا أن سيادة الوزير لم يـر أن الحجة
ليست إلا الزلة الأكبر مقتا عند الله ! كأنه لا يعلم أن هذا الكرم الحاتمى ينغص
عيشنا، لأنه رُمادا رميديا في عيوننا ! فنحن نرفضه جملة و تفصيلا. نرفض باشمئزاز
هذا الإحسان الذي يريد أن ينصب خيمته، وينحر نوقه، ويطعمنا من قصعة عطائه ما جناه
مع قبيلة حزبه من وزارته ! لا تستغـفلنا ياحضرة الوزير، فمن العار تضبـيع القانون
وبردعته ركوبا ومنغازا. كلا حضرة الوزير، لقد ضبطناك فوق السجادة خشوعا وصلاة،
وأنت تعلم يقينا أن السجادة نسجتها أياد بائسة لم تدفع لها أجرا ولم تُـقم لها
وزنا !
هناك سؤال يلح علي. هل الثلاثة وعشرين مليونا صدقة أم رشوة ؟ إن كانت رشوة، وأنت الحقوقي فهذه
جريمة يعاقب عليها القانون، وإن كانت صدقة فأني أنتصب غضبا لأقول لك بكل الغيض في
صدرى:
كلا .... لسنا خنازير يا حضرة
الوزير
كلا وألف كلا، لسنا خنازير فتقذف وجوهنا بفتاة موائدك، كلا حضرة
الوزير لسنا كلابا فترمينا بعظمة من موائد شوائك ! يا حضرة الوزير كأني بك لم تعلم
بعد، أننا لسنا شعب الصدقة ولكننا شعب العزة. و أننا لن نقبل أن تشتري مقعدا خمسة
نجوم في الجنة من كدنا وعرقنا !
كلا سيدي، لسنا بحاجة لصدقتك، هذه صدقة الذل لا نريدها. وإذا
كنت تملك بعض أريحية، فاعطني فأسا ورفشا حتى أحفر بئرا تروي ظمئي وظمأ أهلي وماشيتي.
إحتفظ بصدقة الذل و وفر لي ما يسمح لي بِحَرث وزَرْعٍ حتى آكل ويأكل أهلي. إحتفظ
بصدقتك و وفر لي لبنة و إسمنتا، ما أشيد به مدرسة تضيء قريتي البائسة بنور
المعرفة. إحتفظ بصدقتك و وفر لي حقوقي المنهمرة عرقا من جبيني في خزائنك، حتى أجد
المستشفى إن مرضت، والتقاعد إن شخت، والسترة إن أعوزت.
كأني بك يا حضرة الوزير، لم تتعرف بعد على إشكاليتنا الحضارية، هذه
الشوكة الحادة في إبطنا. شوكة المواطنة، شوكة الحق في الحق، لا ذاك الحق الممسوخ
الذي يرانا رعية ورعايا، ويرى حاكمنا راعـيا يهش علينا بعصاه. فنحن أغـنامه
وأبقاره يذبح و يسلخ و يشوى كما يشاء. كلا حضرة الوزير، نحن المواطنون والمواطنات
بحقوق و واجبات يضمنها الدستور. وإذا فنحن خارج الركوع لغير الله، خارج الولاء،
خارج الزبونية، فهل كثير علينا أن نكون مواطنون كرام في وطن كريم؟.
نعم، فتواك زلة أكبر من الخطيئة، وإذا فقدم اعتذارك ومعه
استقالتك ياحضرة الفقيه، وقدم جردا بما لك من دين لهذه السيدة المرحومة، التي أفنت
زهرة عمرها في خدمتك، ومع هذا الدين عليك أن تدفع الغرامات التي يفرضها القانون
على المتهربين والمتخاذلين الذين ينفخون جيوبهم بأرزاق الناس عبادا وبلادا ! قد
تقول مستنكرا إن هذا يعني ما لا يقل عن المليون درهم. وأقول لك ما قيمة مليون درهم
أمام غسل الوجه من وحل لطخ السمعة والكرامة. ما قيمة ملايينك في صناديقك وأنت غدا
أمام الله بوجه غـبَـرة ترهقه قـتَــرة ؟.
أعترف أني أشفق عليك وأنت تخبط أرباعا في أخماس، أمام هذه الحداثة
البغـيضة، التى تفرض عليك هذه الاقتطاعات الاجتماعية، كيف وأنت لا يعود عليك منها
بطائل، عكس إن وهبت جزء منها صدقة لابن السبيل، أو لخادم في خدمة خيولك المطهمة في
إسطبلك. إنك ساعتها محسن كبير، عـبَّـد طريقه نحو الجنة بالمغفرة والثواب و الأجر.
أي كل هذا الذي يضمن في الحياة الدنيا فخفخة وهيبة، وفي الآخرة حوريات حسان كل
تشدو على ذاك الغصن الريان.
لكن ألا ترى معي أن كل هذا هو الذي نسميه في دارجتنا "القوالب"؟
ألا ترى أن الله على علم بكل هذا؟ و أخاف أن أحَـوِّر الآية الكريمة التي تقول
"ويمكرون والله خير الماكرين"، فبالله ماذا يتبقى من قوالبك ؟ والله يعلم أن ما
تـتـكرم به يُـمناك ليس إلا لتـنتـشله يُـسراك أضعافا مضاعفة ؟ أو لست ضمن هؤلاء
الذين قال عنهم الله "يُـراؤون ويمنعون الماعون" ؟.
كلا حضرة الوزير، نحن ما كنا أمة الصدقة، ولكننا الأمة الظمآى
للعزة. ولعلك تسألني ما العـزة ؟ فأقول، العزة هي أن تستحيي حتى لكأني بك تذوب
خجلا، لأنك اكتشفت أن موظفة في مكتبك تشتغل بتفان وإخلاص، خارج الشرع الديمقراطي، فتصرخ : كيف وهي في مكتب
الإنصاف؟ العزة، هي أن تهُـب ساعتها كما لو لدغـتك أفعى. تهب لنصرة تلك المرأة
وإحقاق حقها. العزة، هي أن تُـطوح بسجادتك ومسبحتك وتجويدك تلبية لنداء العدل، فعـدل
ساعة خير من خبط الجبـين على حصيرة الأنانية في كل آن و حين.